" وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم " هما كفرتان أيضا مضمومتان إلى الكفرات الثلاث وهما : عبادتهم الملائكة من دون الله وزعمهم أن عبادتهم بمشيئة الله كما يقول إخوانهم المجبرة فإن قلت : ما أنكرت على من يقول : قالوا ذلك على وجه الاستهزاء ولو قالوه جادين لكانوا مؤمنين ؟ قلت : لا دليل على أنهم قالوه مستهزئين وادعاء ما لا دليل عليه باطل على أن الله تعالى قد حكى عنهم ذلك على سبيل الذم والشهادة بالكفر : أنهم جعلوا له من عباده جزءا وأنه اتخذ بنات وأصفاهم بالبنين وأنهم جعلوا الملائكة المكرمين إناثا . وأنهم عبدوهم وقالوا : لو شاء الرحمن ما عبدناهم فلو كانوا ناطقين بها على طريق الهزء : لكان النطق بالمحكيات قبل هذا المحكي الذي هو إيمان عنده لو جدوا في النطق به مدحا لهم من قبل أنها كلمات كفر نطقوا بها على طريق الهزء فبقي أن يكونوا جادين وتشترك كلها في أنها كلمات كفر فإن قالوا : نجعل هذا الأخير وحده مقولا على وجه الهزء دون ما قبله فما بهم إلا تعويج كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لتسوية مذهبهم الباطل . ولو كانت هذه كلمة حق نطقوا بها هزءا لم يكن لقوله تعالى : " ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرسون " الزخرف : 20 ، معنى لأن من قال لا إله إلا الله على طريق الهزء : كان الواجب أن ينكر عليه استهزاؤه ولا يكذب لأنه لا يجوز تكذيب الناطق بالحق جادا كان أو هازئا . فإن قلت : ما قولك فيمن يفسر ما لهم بقولهم : إن الملائكة بنات الله من علم إن هم إلا يخرصون في ذلك القول لا في تعليق عبادتهم بمشيئة الله ؟ قلت : تمحل مبطل وتحريف مكابر . ونحوه قوله تعالى : " سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم " الأنعام : 48 .
" أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون " .
الضمير في " من قبله " للقرآن أو الرسول . والمعنى : أنهم ألصقوا عبادة غير الله بمشيئة الله : قولا قالوه غير مستند إلى علم ثم قال : أم آتيناهم كتابا قبل هذا الكتاب نسبنا فيه الكفر والقبائح إلينا فحصل لهم علم بذلك من جهة الوحي فاستمسكوا بذلك الكتاب واحتجوا به . بل لا حجة لهم يستمسكون بها إلا قولهم " إنا وجدنا آباءنا على أمة " على دين . وقرئ على إمة بالكسر وكلتاهما من الأثم وهو القصد فالأمة : الطريقة التي تؤم أي : تقصد كالرحلة للمرحولة إليه . والأمة : الحالة التي يكون عليها الآم وهو القاصد . وقيل : على نعمة وحالة حسنة " على آثارهم مهتدون " خبر إن . أو الظرف صلة لمهتدون .
" وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون " .
" مترفوها " الذين أترفتهم النعمة أي أبطرتهم فلا يحبون إلا الشهوات والملاهي ويعافون مشاق الدين وتكاليفه .
" قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباؤكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين " .
قرئ قل وقال : وجئتكم وجئناكم يعني أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم . قالوا : إنا ثابتون على دين آبائنا لا ننفك عنه وإن جئتنا بما هو أهدى وأهدى .
" وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلنا كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون "