وقرئ جزؤوا بضمتين " لكفور مبين " لجحود للنعمة ظاهر جحوده لأن نسبة الولد إليه كفر والكفر أصل الكفران كله " أم اتخذ " بل اتخذ والهمزة للإنكار : تجهيلا لهم وتعجيبا من شأنهم حيث لم يرضوا بأن جعلوا لله من عباده جزءا حتى جعلوا ذلك الجزء شر الجزأين : وهو الإناث دون الذكور على أنهم أنفر خلق الله عن الإناث وأمقتهم لهن ولقد بلغ بهم المقت إلى أن وأدوهن كأنه قيل : هبوا أن إضافة اتخاذ الولد إليه جائزة فرضا وتمثيلا أما تستحيون من الشطط في القسمة . ومن ادعائكم أنه آثركم على نفسه بخير الجزأين وأعلاهما وترك له شرهما وأدناهما ؟ وتنكير " بنات " وتعريف " البنين " وتقديمهن في الذكر عليهم لما ذكرت في قوله تعالى : " يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور " الشورى : 49 ، " فما ضرب للرحمن مثلا " بالجنس الذي جعله له مثلا أي : شبها لأنه إذا جعل الملائكة جزءا لله وبعضا منه فقد جعله من جنسه ومماثلا له لأن الولد لا يكون إلا من جنس الوالد يعني : أنهم نسبوا إليه هذا الجنس . ومن حالهم أن أحدهم إذا قيل له : قد ولدت لك بنت اغتم واربد وجهه غيظا وتأسفا وهو مملوء من الكرب . وعن بعض العرب : أن امرأته وضعت أنثى فهجر البيت الذي فيه المرأة فقالت : .
ما لأبي حمزة لا يأتينا ... يظل في البيت الذي يلينا .
غضبان أن لا نلد البنينا ... ليس لنا من أمرنا ما شينا .
إنما نأخذ ما أعطينا .
والظلول بمعنى الصيرورة كما يستعمل أكثر الأفعال الناقصة بمعناها . وقرئ مسود ومسواد على أن في " ظل " ضمير المبشر و " وجهه مسودا " جملة واقعة موقع الخبر ثم قال : أو يجعل للرحمن من الولد من هذه الصفة المفهومة صفته . وهو أنه " ينشؤوا في الحلية " أي يتربى في الزينة والنعمة وهو إذا احتاج إلى مجاثاة الخصوم ومجاراة الرجال كان غير مبين ليس عنده بيان ولا يأتي ببرهان يحج به من يخاصمه وذلك لضعف عقول النساء ونقصانهن عن فطرة الرجال يقال : قلما تكلمت امرأة فأرادت أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها . وفيه : أنه جعل النشئ في الزينة والنعومة من المعايب والمذام وأنه من صفة ربات الحجال فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويأنف منه ويربأ بنفسه عنه ويعيش كما قال عمر رضي الله عنه : اخشوشنوا واخشوشبوا وتمعددوا . وإن أراد أن يزين نفسه زينها من باطن بلباس التقوى . وقرئ ينشأ وينشأ ويناشأ . ونظير المناشأة بمعنى الإنشاء : المغالاة بمعنى الإغلاء .
" وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون " .
قد جمعوا في كفرة ثلاث كفرات وذلك أنهم نسبوا إلى الله الولد ونسبوا إليه أخسس النوعين وجعلوه من الملائكة الذين هم أكرم عباد الله على الله فاستخفوا بهم واحتقروهم . وقرئ عباد الرحمن وعبيد الرحمن وعبد الرحمن وهو مثل لزلفاهم واختصاصهم . وإناثا وأنثا : جمع الجمع . ومعنى جعلوا : سموا وقالوا إنهم إناث . وقرئ أشهدوا وأأشهدوا بهمزتين مفتوحة ومضمومة . وآشهدوا بألف بينهما وهذا تهكم بهم بمعنى أنهم يقولون ذلك من غير أن يستند قولهم إلى علم فإن الله لم يضطرهم إلى علم ذلك ولا تطرقوا إليه باستدلال ولا أحاطوا به عن خبر يوجب العلم فلم يبق إلا أن يشاهدوا خلقهم فأخبروا عن هذه المشاهدة " ستكتب شهادتهم " التي شهدوا بها على الملائكة من أنوثتهم " ويسألون " وهذا وعيد . وقرئ سيكتب وسنكتب : بالياء والنون . وشهادتهم وشهاداتهم . ويساءلون على ما يفاعلون .
" وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرسون "