الضمير في " خلقهن " لليل والنهار والشمس والقمر لأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى أو الإناث . يقال : الأقلام بريتها وبريتهن : أو لما قال " ومن آياته " كن في معنى الآيات فقيل : خلقهن . فإن قلت : أين موضع السجدة . قلت : عند الشافعي C تعالى : " تعبدون " وهي رواية مسروق عن عبد الله لذكر لفظ السجدة قبلها . وعند أبي حنيفة C : يسأمون لأنها تمام المعنى وهي عن ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب : لعل ناسا منهم كانوا يسجدون للشمس والقمر كالصابئين في عبادتهم الكواكب ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لهما السجود لله فنهوا عن هذه الواسطة وأمروا أن يقصدوا بسجودهم وجه الله تعالى خالصا إن كانوا إياه يعبدون وكانوا موحدين غير مشركين " فإن استكبروا " ولم يمتثلوا ما أمروا به وأبوا إلا الواسطة فدعهم وشأنهم فإن الله عز سلطانه لا يعدم عابدا ولا ساجدا بالإخلاص وله العباد المقربون الذين ينزهونه بالليل والنهار عن الأنداد وقوله : " عند ربك " عبارة عن الزلفى والمكانة والكرامة وهم لا يسأمون . وقرئ : لا يسأمون بكسر الياء .
" ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير " .
الخشوع : التذلل والتصاغر فاستعير لحال الأرض إذا كانت قحطة لا نبات فيها كما وصفها بالهمود في قوله تعالى : " وترى الأرض هامدة " الحج : 5 ، وهو خلاف وصفها بالاهتزاز والربو وهو الانتفاخ : إذا أخصبت وتزخرفت بالنبات كأنها بمنزل المختال في زيه وهي قبل ذلك كالذليل الكاسف البال في الأطمار الرثة . وقرئ وربأت أي ارتفعت لأن النبت إذا هم أن يظهر : ارتفعت له الأرض .
" إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير " .
يقال : ألحد الحافر ولحد إما مال عن الاستقامة فحفر في شق فاستعير للانحراف في تأويل آيات القرآن عن جهة الصحة والاستقامة وقرئ يلحدون ويلحدون على اللغتين . وقوله : " لا يخفون علينا " وعيد لهم على التحريف .
" إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " .
فإن قلت : بم اتصل قوله : " " إن الذين كفروا بالذكر " . قلت : هو بدل من قوله " إن الذين يلحدون في آياتنا " فصلت : 40 ، والذكر : القرآن لأنهم لكفرهم به طعنوا فيه وحرفوا تأويله " وإنه لكتاب عزيز " أي منيع محمى بحماية الله تعالى " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " مثل كأن الباطل لا يتطرق إليه ولا يجد إليه سبيلا من جهة من الجهات حتى يصل إليه ويتعلق به . فإن قلت : أما طعن فيه الطاعنون وتأوله المبطلون ؟ قلت : بلى ولكن الله قد تقدم في حمايته عن تعلق الباطل به : بأن قيض قوما عارضوهم بإبطال تأويلهم وإفساد أقاويلهم فلم يخلوا طعن طاعن إلا ممحوقا ولا قول مبطل إلا مضمحلا . ونحوه قوله تعالى : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " الحجر : 9 .
" ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم " .
" ما يقال لك " أي : ما يقول لك كفار قومك إلا مثل ما قال للرسل كفار قوم من الكلمات المؤذية والمطاعن في الكتب المنزلة " إن ربك لذو مغفرة " ورحمة لأنبيائه " وذو عقاب " لأعدائهم . ويجوز أن يكون : ما يقول لك الله إلا مثل ما قال للرسل من قبلك والمقول : هو قوله تعالى : " إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم " فمن حقه أن يرجوه أهل طاعته ويخافه أهل معصيته والغرض : تخويف العصاة .
" ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد "