" ظاهرين في الأرض " في أرض مصر عالين فيها على بني إسرائيل يعني : أن لكم ملك مصر وقد علوتم الناس وقهرتموهم فلا تفسحوا أمركم على أنفسكم ولا تتعرضوا لبأس الله وعذابه فإنه لا قبل لكم به إن جاءكم ولا يمنعكم منه أحد . وقال : " ينصرنا " و " جاءنا " لأنه منهم في القرابة وليعلمهم بأن الذي ينصحهم به هو مساهم لهم فيه " ما أريكم إلا ما أرى " أي : ما أشير عليكم برأي إلا بما أرى من قتله يعني : لا أستصوب إلا قتله وهذا الذي تقولونه غير صواب " وما أهديكم " بهذا الرأي " إلا سبيل الرشاد " يريد : سبيل الصواب والصلاح . أو ما أعلمكم إلا ما أعلم من الصواب ولا أذخر منه شيئا ولا أسر عنكم خلاف ما أظهر يعني أن لسانه وقلبه متواطئان على ما يقول وقد كذب فقد كان مستشعرا للخوف الشديد من جهة موسى ولكنه كان يتجلد ولولا استشعاره لم يستشر أحدا ولم يقف الأمر على الإشارة . وقرئ : الرشاد فعال من رشد بالكسر كعلام . أو من رشد بالفتح كعباد وقيل : هو من أرشد كجبار من أجبر وليس بذلك لأن فعالا من أفعل لم يجيء إلا في عدة أحرف نحو : دراك وسآرا وقصار وحبار ولا يصح القياس على القليل . ويجوز أن يكون نسبة إلى الرشد كعواج وبتات غير منظور فيه إلى فعل .
" وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد " .
" مثل يوم الأحزاب " مثل أيامهم لأنه لما أضافه إلى الأحزاب وفسرهم بقوم نوح وعاد وثمود ولم يلبس أن كل حزب منهم كان له يوم دمار اقتصر على الواحد من الجمع لأن المضاف إليه أغنى عن ذلك كقوله : .
كلوا في بعض بطنكمو تعفوا .
وقال الزجاج : مثل يوم حزب حزب ودأب هؤلاء : ثؤبهم في عملهم من الكفر والتكذيب وسائر المعاصي وكون ذلك دائبا دائما منهم لا يفترون عنه ولا بد من حذف مضاف يريد : مثل جزاء دأبهم . فإن قلت : بم انتصب مثل الثاني . قلت : بأنه عطف بيان لمثل الأول لأن آخر ما تناوله الإضافة قوم نوح ولو قلت أهلك الله الأحزاب : قوم نوح وعاد وثمود لم يكن إلا عطف بيان لإضافة قوم إلى أعلام فسرى ذلك الحكم إلى أول ما تناولته الإضافة " وما الله يريد ظلما للعباد " يعني : أن تدميرهم كان عدلا وقسطا لأنهم استوجبوه بأعمالهم وهو أبلغ من قوله تعالى : " وما ربك بظلام للعبيد " فصلت : 46 ، حيث جعل المنفى إرادة الظلم لأن من كان عن أراثة الظلم بعيدا كان عن الظلم أبعد . وحيث نكر الظلم كأنه نفى أن يريد ظلما ما لعباده . ويجوز أن يكون معناه كمعنى قوله تعالى : " ولا يرضى لعباده الكفر " الزمر : 7 ، أي : لا يريد لهم أن يظلموا يعني أنه دمرهم لأنهم كانوا ظالمين .
" ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد " .
التنادي ما حكى الله تعالى في سورة الأعراف من قوله : " ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار " 6 ، الأعراف : 44 ، " ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة " الأعراف : 50 ، ويجوز أن يكون تصايحهم بالويل والثبور . وقرئ بالتشديد : وهو أن يند بعضهم من بعض كقوله تعالى : " يوم يفر المرء من أخيه " عبس : 34 ، وعن الضحاك : إذا سمعوا زفير النار ندوا هربا فلا يأتون قطرا من الأقطار إلا وجدوا ملائكة صفوفا فبيناهم يموج بعضهم في بعض إذ سمعوا مناديا : أقبلوا إلى الحساب " تولون مدبرين " عن قتادة منصرفين عن موقف الحساب إلى النار . وعن مجاهد : فارين عن النار غير معجزين .
" ولقد جاءهم يوسف من قبل بالبينات فما زلت في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار "