" وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصيبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب " .
" رجل مؤمن " وقرئ : رجل بسكون الجيم كما يقال : عضد في عضد وكان قبطيا ابن عم لفرعون آمن بموسى سرا وقيل : كان إسرائيليا و " من آل فرعون " صفة لرجل . وصلة ليكتم أي : يكتم إيمانه من آل فرعون واسمه سمعان أو حبيب وقيل خربيل أو حزبيل والظاهر أنه كان من آل فرعون فإن المؤمنين من بني إسرائيل لم يقلوا ولم يعزوا . والدليل عليه قول فرعون : " أبناء الذين آمنوا معه " غافر : 25 ، . وقول المؤمن : " فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا " غافر : 29 ، دليل ظاهر على أنه يتنصح لقومه " أن يقول " لأن يقول وهذا إنكار منه عظيم وتبكيت شديد كأنه قال : أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة وما لكم علة قط في ارتكابها إلا كلمة الحق التي نطق بها وهي قوله : " ربي الله " مع أنه لم يحضر لتصحيح قوله بينة واحدة ولكن بينات عدة من عند من نسب إليه الربوبية وهو ربكم لا ربه وحده وهو استدراج لهم إلى الاعتراف به وليلين بذلك جماحهم ويكسر من سورتهم ولك أن تقدر مضافا محذوفا أي : وقت أن يقول . والمعنى : أتقتلونه ساعة سمعتم منه هذا القول من غير روية ولا فكر في أمره . وقوله : " بالبينات " يريد : بالبينات العظيمة التي عهدتموها وشهدتموها ثم أخذهم بالاحتجاج على طريقة التقسيم فقال : لا يخلو من أن يكون كاذبا أو صادقا " فإن يكن كاذبا فعليه كذبه " أي : يعود عليه كذبه ولا يتخطاه ضرره " وإن يكن صادقا يصبكم بعض " ما يعدكم إن تعرضتم له . فإن قلت : لم قال : بعض " الذي يعدكم " وهو نبي صادق لا بد لما يعدهم أن يصيبهم كله لا بعضه قلت : لأنه احتاج في مقاولة خصوم موسى ومناكريه إلى أن يلاوصهم ويداريهم ويسلك معهم طريق الإنصاف في القول ويأتيهم من وجهة المناصحة فجاء بما علم أنه أقرب إلى تسليمهم لقوله وأدخل في تصديقهم له وقبولهم منه فقال : " وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم " وهو كلام المنصف في مقاله غير المشتط فيه ليسمعوا منه ولا يردوا عليه وذلك أنه حين فرضه صادقا فقد أثبت أنه صادق في جميع ما يعد ولكنه أردفه " يصيبكم بعض الذي يعدكم " ليهضمه بعض حقه في ظاهر الكلام فيريهم أنه ليس بكلام من أعطاه حقه وافيا فضلا أن يتعصب له أو يرمي بالحصا من ورائه . وتقيم الكاذب على الصادق أيضا من هذا القبيل وكذلك قوله : " إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب " فإن قلت : فعن أبي عبيدة أنه فسر البعض بالكل وأنشد بيت لبيد : .
تراك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يرتبط بعض النفوس حمامها .
قلت : إن صحت الرواية عنه فقد حق فيه قول المازني في مسألة العلقي : كان أجفى من أن يفقه ما أقول له . " إن الله لا يهدي من هو مسرف " يحتمل إن كان مسرفا كذابا خذله الله وأهلكه ولم يستقم له أمر فيتخلصون منه وأنه لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله للنبوة ولما عضده بالبينات . وقيل : ما تولى أبو بكر من رسول الله A كان أشد من ذلك : طاف A بالبيت فلقوه حين فرغ فأخذوا بمجامع ردائه فقالوا له : أنت الذي تنهانا عما كان يعبد آباؤنا فقال : أنا ذاك فقام أبو بكر الصديق Bه فالتزمه من ورائه : وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم رافعا صوته بذلك وعيناه تسفحان حتى أرسلوه . وعن جعفر الصادق : إن مؤمن آل فرعون قال ذلك سرا وأبو بكر قاله ظاهرا .
" يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد "