الآزفة : القيامة سميت بذلك لأزوفها أي : لقربها . ويجوز أن يريد بيوم الآزفة : وقت الخطة الآزفة وهي مشارفتهم دخول النار فعند ذلك ترتفع قلوبهم عن مقارها فتلصق بحناجرهم فلا هي تخرج فيموتوا ولا ترجع فلا هي تخرج فيموتوا ولا ترجع إلى مواضعها فيتنفسوا ويتروحوا ولكنها معترضة كالشجا كما قال تعالى : " فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا " الملك : 27 . فإن قلت : " كاظمين " بما انتصب ؟ قلت : هو حال عن أصحاب القلوب على المعنى لأن المعنى : إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين عليها . ويجوز أن يكون حالا عن القلوب وأن القلوب كاظمة على غم وكرب فيها مع بلوغها الحناجر وإنما جمع الكاظم جمع السلامة لأنه وصفها بالكظم الذي هو من أفعال العقلاء كما قال تعالى : " رأيتهم لي ساجدين " يوسف : 4 ، وقال : " فظلت أعناقهم لها خاضعين " الشعراء : 4 ، وتعضمه قراءة من قرأ : " كاظمون " ويجوز أن يكون حالا عن قوله : وأنذرهم أي : وأنذرهم مقدرين أو مشارفين الكظم كقوله تعالى : " فادخلوها خالدين " الزمر : 73 ، الحميم : المحب المشفق . والمطاع : مجاز في المشفع لأن حقيقة الطاعة نحو حقيقة الأمر في أنها لا تكون إلا لمن فوقك . فإن قلت : ما معنى قوله تعالى : " ولا شفيع يطاع " . قلت : يحتمل أن يتناول النفي الشفاعة والطاعة معا وأن يتناول الطاعة دون الشفاعة كما تقول : ما عندي كتاب يباع فهو محتمل نفي البيع وحده وأن عندك كتابا إلا أنك لا تبيعه ونفيهما جميعا وأن لا كتاب عندك ولا كونه مبيعا . ونحوه : .
ولا ترى الضب بها ينجحر .
يريد : نفي الضب وانجحاره . فإن قلت : فعلى أي الاحتمالين يجب حمله ؟ قلت : على نفي الأمرين جميعا من قبل أن الشفعاء هم أولياء الله وأولياء الله لا يحبون ولا يرضون إلا من أحبه الله ورضيه وأن الله لا يحب الظالمين فلا يحبونهم وإذا لم يحبوهم لم ينصروهم ولم يشفعوا لهم . قال الله تعالى : " وما للظالمين من أنصار " البقرة : 270 ، وقال : " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " الأنبياء : 28 ، ولأن الشفاعة لا تكون إلا في زيادة التفضل وأهل التفضل وزيادته إنما هم أهل الثواب بدليل قوله تعالى : " ويزيدهم من فضله " النساء : 174 ، وعن الحسن Bه : والله ما يكون لهم شفيع البتة فإن قلت : الغرض حاصل بذكر الشفيع ونفيه فما الفائدة في ذكر هذه الصفة ونفيها ؟ قلت : في ذكرها فائدة جليلة وهي أنها ضمت إليه ليقام انتفاء الموصوف مقام الشاهد على انتفاء الصفة لأن الصفة لا تتأتى بدون موصوفها فيكون ذلك إزالة لتوهم وجود الموصوف بيانه : أنك إذا عوتبت على القعود عن الغزو فقلت : ما لي فرس أركبه ولا معي سلاح أحارب به فقد جعلت عدم الفرس وفقد السلاح مانعة من الركوب والمحاربة كأنك تقول : كيف يتأتى مني الركوب والمحاربة ولا فرس لي ولا سلاح معي فكفلك قوله : " ولا شفيع يطاع " معناه : كيف يتأتى التشفيع ولا شفيع فكان ذكر التشفيع والاستشهاد على عدم تأتيه بعدم الشفيع : وضعا لانتفاء الشفيع موضع الأمر المعروف غير المنكر الذي لا ينبغي أن يتوهم خلافه .
" يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور " .
الخائنة : صفة للنظرة . أو مصدر بمعنى الخيانة كالعافية بمعنى المعافاة والمراد : استراق النظر إلى ما لا يحل كما يفعل أهل الريب ولا يحسن أن تراد الخيانة من الأعين لأن قوله : " وما تخفي الصدور " لا يساعد عليه . فإن قلت : بم اتصل قوله : " يعلم خائنة الأعين " . قلت : هو خبر من أخبار هو في قوله : " هو الذي يريكم " غافر : 13 ، مثل " يلقي الروح " ولكن يلقي الروح قد علل بقوله : " لينذر يوم التلاق " ثم استطرد ذكر أحوال يوم التلاق إلى قوله : " ولا شفيع يطاع " فبعد لذلك عن أخواته .
" والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله السميع البصير " .
" والله يقضي بالحق " يعني : والذي هذه صفاته وأحواله لا يقضي إلا بالحق والعدل . لاستغنائه عن الظلم . وآلهتكم لا يقضون بشيء . وهذا تهكم بهم لأن ما لا يوصف بالقدرة لا يقال فيه : يقضي أو لا يقضي " إن الله السميع البصير " تقرير لقوله : " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور " ووعيد لهم بأنه يسمع ما يقولون ويبصر ما يعملون وأنه يعاقبهم عليه وتعريض بما يدعون من دون الله وأنها لا تسمع ولا تبصر وقرئ : يدعون بالتاء والياء