" أسرفوا على أنفسهم " جنوا عليها بالإسراف في المعاصي والغلو فيها " لاتقنطوا " قرىء : بفتح النون وكسرها وضمها " إن الله يغفر الذنوب جميعا " يعني بشرط التوبة وقد تكرر ذكر هذا الشرط في القرآن فكان ذكره فيما ذكر فيه ذكرا له فيما لم يذكر فيه . لأن القران في حكم كلام واحد ولا يجوز فيه التناقض . وفي قراءة ابن عباس وابن مسعود : " يغفر الذنوب جميعا " لمن يشاء . والمراد بمن يشاء : من تاب لأن مشيئة الله تابعة لحكمته وعدله لا لملكه وجبروته . وقيل : في قراءة النبي A وفاطمة Bها : " يغفر الذنوب جميعا " ولا يبالي ونظير نفي المبالاة نفي الخوف في قوله تعالى : " ولا يخاف عقباها " الشمس : 15 ، وقيل : قال أهل مكة : يزعم محمد أن من عبد الأوثان وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له فكيف ولم نهاجر ولقد عبدنا الأوثان وقتلنا النفس التي حرم الله فنزلت . وروى أنه أسلم عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر معهما ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا فكنا نقول : لا يقبل الله لهم صرفا ولا عدلا أبدا فنزلت . فكتب بها عمر Bه إليهم فأسلموا وهاجروا وقيل : نزلت في وحشي قاتل حمزة رضي الله عنه . وعن رسول الله A : " ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية " فقال رجل : يا رسول الله ومن أشرك ؟ فسكت ساعة ثم قال : " إلا من أشرك " ثلاث مرات .
" وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون أن تقول نفس يحسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن السخرين أو تقول لو أن الله هدني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك ءايتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكفرين " " وأنيبوا إلى ربكم " وتوبوا إليه " وأسلموا له " وأخلصوا له العمل وإنما ذكر الإنابة على أثر المغفرة لئلا يطمع طامع في حصولها بغير توبة وللدلالة على أنها شر فيها لازم لا تحصل بدونه " واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم " مثل قوله " الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه " الزمر : 18 . " وأنتم لا تشعرون " أي يفجؤكم وأنتم غافلون كأنكم لا تخشون شيئا لفرط غفلتكم وسهوكم " أن تقول نفس " كراهة أن تقول . فإن قلت : لم نكرت ؟ قلت : لأن المراد بها بعض الأنفس وهي نفس الكافر ويجوز أن يراد : نفس متميزة من الأنفس : إما بلجاج في الكفر شديد . أو بعذاب عظيم ويجوز أن يراد التكثير كما قال الأعشى : .
ورب بقيع لو هتفت بحوه ... أتاني كريم ينفض الرأس مغضبا .
وهو يريد : أفواجا من الكرام ينصرونه لا كريما واحدا . ونظيره : رب بلد قطعت ورب بطل قارعت . وقد اختلس الطعنة ولا يقصد إلا التكثير . وقرىء : " يا حسرتي " على الأصل . ويا حسرتاي على الجمع بين العوض والمعوض منه . والجنب : الجانب يقال : أنا في جنب فلان وجانبه وناحيته وفلان لين الجنب والجانب ثم قالوا : فرط في جنبه وفي جانبه يريدون في حقه . قال سابق البربري : .
أما تتقين الله في جنب وامق ... أتاني كبد حرى عليك تقطع .
وهذا من باب الكناية لأنك إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد أثبته فيه . ألا ترى إلى قوله : .
إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج .
ومنه قول الناس : لمكانك فعلت كذا يريدون : لأجلك . وفي الحديث :