التخويل : مختص بالتفضل . ويقال : خولني إذا أعطاك على غير جزاء " على علم " أي على علم مني أني سأعطاه لما في من فضل واستحقاق . أو على علم من الله بي وباستحقاقي أو على علم مني بوجوه الكسب كما قال قارون : " على علم عندي " القصص : 78 ، فإن قلت : لم ذكر الضمير في " أوتيته " وهو للنعمة . قلت : ذهابا به إلى المعنى لأن قوله : " نعمة منا " شيئا من النعم وقسما منها . ويحتمل أن تكون ما في إنما موصولة لا كافة فيرجع إليها الضمير . على معنى : إن الذي أوتيته على علم " بل هي فتنة " إنكار قوله كأنه قال : من خولناك من النعمه لما تقول بل هي فتنة أي : ابتلاء وامتحان لك أتشكر أم تكفر ؟ فإن قلت : كيف ذكر الضمير ثم أنثه . قلت : حملا على المعنى أولا وعلى اللفظ آخرا ولأن الخبر لما كان مؤنثا أعني " فتنة " : ساغ تأنيث المبتدأ لأجله لأنه في معناه كقولهم : ما جاءت حاجتك . وقرىء : " بل هو فتنة " على وفق " إنما أوتيته " . فإن قلت : ما السبب في عطف هذه الآية بالفاء وعطف مثلها في أول السورة بالواو ؟ قلت : السبب في ذلك أن هذه وقعت مسببة عن قوله : " واذا ذكر الله وحده اشمأزت " الزمر : 45 ، على معنى أنهم يشمئزون عن ذكر الله ويستبشرون بذكر الآلهة فإذا مس أحدهم ضر دعا من اشمأز من ذكره دون من استبشر بذكره وما بينهما من الآي اعتراض . فإن قلت : حق الاعتراض أن يؤكد المعترض بينه وبينه . قلت : ما في الاعتراض من دعاء رسول الله A ربه بأمر منه وقوله : أنت تحكم بين عبادك ثم ما عقبه من الوعيد العظيم : تأكيد لإنكار اشمئزازهم واستبشارهم ورجوعهم إلى الله في الشدائد دون آلهتهم كأنه قيل : يا رب لا يحكم بيني وبين هؤلاء الذين يجترؤن عليك مثل هذه الجراءة ويرتكبون مثل هذا المنكر إلا أنت . قوله : " ولو أن الذين ظلموا " الزمر : 47 ، متناول لهم ولكل ظالم إن جعل مطلقا أو إياهم خاصة إن عنيتهم به كأنه قيل : ولو أن لهؤلاء الظالمين ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به . حين أحكم عليهم بسوء العذاب وهذه الأسرار والنكت لا يبرزها إلا علم النظم وإلا بقيت محتجبة في أكمامها . وأما الاية الأولى فلم تقع مسببة وما هي إلا جملة ناسبت جملة قبلها فعطفت عليها بالواو كقولك : قام زيد وقعد عمرو . فإن قلت : من أي وجه وقعت مسببة ؟ والاشمئزاز عن ذكر الله ليس بمقتض لالتجائهم إليه بل هو مقتض لصدوفهم عنه . قلت : في هذا التسبيب لطف وبيانه أنك تقول : زيد مؤمن بالله فإذا مسه ضر التجأ إليه فهذا تسبيب ظاهر لا لبس فيه ثم تقول : زيد كافر بالله فإذا مسه ضر التجأ إليه فتجيء بالفاء مجيئك به ثمة كأن الكافر حين التجأ إلى الله التجاء المؤمن إليه مقيم كفره مقام الإيمان ومجريه مجراه في جعله سببا في الالتجاء فأنت تحكي ما عكس فيه الكافر . ألا ترى أنك تقصد بهذا الكلام الإنكار والتعجب من فعله . ؟ " قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لأيت لقوم يؤمنون " الضمير في " قالها " راجع إلى قوله : " إنما أوتيته على علم " لأنها كلمة أو جملة من القول . وقرىء : " قد قاله " على معنى القول والكلام وذلك والذين من قبلهم : هم قارون وقومه حيث قال : " إنما أوتيته على علم عندي " القصص : 78 ، وقومه راضون بها فكأنهم قالوها . ويجوز أن يكون في الأمم الخالية آخرون قائلون مثلها " فا أغنى عنهم ما كانوا يكسبون " من متاع الدنيا ويجمعون منه من هؤلاء " من مشركي قومك " سيصيبهم " مثل ما أصاب أولئك فقتل صناديدهم ببدر وحبس عنهم الرزق فقحطوا سبع سنين ثم بسط لهم فمطروا سبع سنين فقيل لهم : " أولم يعملوا " أنه لا قابض ولا باسط إلا الله D .
" قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم "