" للناس " لأجلهم ولأجل حاجتهم إليه ليبشروا وينفروا فتقوى دواعيهم إلى اختيار الطاعة على المعصية . ولا حاجة إلى ذلك فأنا الغني فمن اختار الهدي فقد نفع نفسه ومن اختار الضلالة فقد ضرها . وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى فإن التكليف مبني على الاختياردون الإجبار .
" الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لأيت لقوم يتفكرون " " الأنفس " الجمل كما هي وتوفيها : إماتتها وهو أن تسلب ما هي به حية حساسة دراكة : من صحة أجزائها وسلامتها لأنها عند سلب الصحة كأن ذاتها قد سلبت " والتي لم تمت في منامها " يريد ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها أي يتوفاها حين تنام تشبيها للنائمين بالموتى . ومنه قوله تعالى : " وهو الذي يتوفاكم بالليل " الأنعام : 6 ، حيث لا يميزون ولا يتصرفون كما أن الموتى كذلك " فيمسك " الأنفس " التي قضى عليها الموت " الحقيقي أي : لا يردها في وقتها حية " ويرسل الأخرى " النائمة إلى أجل مسمى إلى وقت ضربه لموتها . وقيل : يتوفى الأنفس يستوفيها ويقضيها وهي الأنفس التي تكون معها الحياة والحركة ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها وهي أنفس التمييز . قالوا : فالتي تتوفى في النوم هي نفس التمييز لا نفس الحياة لأن نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس والنائم يتنفس . ورووا عن ابن عباس رضي الله عنهما : في ابن آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس فالنفس التي بها العقل والتمييز والروح التي بها النفس والتحرك فإذا نام العبد قبض الله نفسه ولم يقبض روحه والصحيح ما ذكرت أولا لأن الله عز وعلا علق التوفي والموت والمنام جميعا بالأنفس وما عنوا بنفس الحياة والحركة ونفس العقل والتمييز غير متصف بالموت والنوم وإنما الجملة هي التي تموت وهي التي تنام " إن في ذلك " إن في توفي الأنفس مائتة ونائمة وإمساكها وإرسالها إلى أجل لآيات على قدرة الله وعلمه لقوم يتفكرون لقوم يجيلون فيه أفكارهم ويعتبرون . وقرىء : " قضي عليها الموت " على البناء للمفعول .
" أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيء ولا يعقلون قل لله الشفعة جميعا له ملك السموت والرض ثم إليه ترجعون " " أم اتخذوا " بل اتخذ قريش والهمزة للإنكار " من دون الله " من دون إذنه " شفعاء " حين قالوا : " هؤلاء شفعاؤنا عند الله " يونس : 18 ، ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه . ألا ترى إلى قوله تعالى " قل لله الشفعة جميعا " أي : هو مالكها فلا يستطيع أحد شفاعة إلا بشرطين : أن يكون المشفوع له مرتضى وأن يكون الشفيع مأذونا له . وههنا الشرطان مفقودان جميعا " أولو كانوا " معناه : يشفعون ولو كانوا " لا يملكون شيئا ولا يعقلون " أي : ولو كانوا على هذه الصفة لا يملكون شيئا قط حتى يملكوا الشفاعة ولا عقل لهم " له ملك السموت والأرض " تقرير لقوله تعالى : " لله الشفعة جميعا " لأنه إذا كان له الملك كله والشفاعة من الملك كان مالكا لها . فإن قلت : بم يتصل قوله : " ثم إليه ترجعون " ؟ قلت : بما يليه معناه : له ملك السموات والأرض اليوم ثم إليه ترجعون يوم القيامة فلا يكون الملك في ذلك اليوم إلا له . فله ملك الدنيا والآخره .
" وإذا ذكر الله وحده أشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يسبشرون " مدار المعنى على قوله " وحده " أي : إذا أفرد الله بالذكر ولم يذكر معه آلهتهم اشمأزوا " أي : نفروا وانقبضوا " وإذا ذكر الذين من دونه " وهم آلهتهم ذكر الله معهم إو لم يذكر استبشروا لافتتانهم بها ونسيانهم حق الله إلى هواهم فيها . وقيل : إذا قيل لا إلا الله وحده لا شريك له نفروا لأن فيه نفيا لآلهتهم . وقيل : أراد استبشارهم بما سبق إليه لسان رسول الله A من ذكر آلهتهم حين قرأ والنجم عند باب الكعبة فسجدوا معه لفرحهم ولقد تقابل الاستبشار والاشمئزاز إذ كل واحد منهما غاية في بابه لأن الاستبشار أن يمتلىء قلبه سرورا حتى تنبسط له بشرة وجهه ويتهلل . والاشمئزاز : أن يمتلىء غما وغيظا حتى يظهر الانقباض في أديم وجهه . فإن قلت : ما العامل في " وإذا ذكر " ؟ قلت : العامل في إذا المفاجأة تقديره وقت ذكر الذين من دونه فاجأوا وقت الاستبشار