" أليس الله بكاف عبده " أدخلت همزة الإنكار على كلمة النفي فأفيد معنى إثبات الكفاية وتقريرها . وقرىء : " أبكاف عبده " وهو رسول الله A وبكاف عباده لم وهم الأنبياء وذلك : أن قريشا قالت لرسول الله A : إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا وإنا نخشى عليك معرتها لعيبك إياها . ويروى : أنه بعث خالدا إلى العزى ليكسرها فقال له سادنها : أحذركها يا خالد إن لها لشدة لا يقوم لها شيء فعمد خالد إليها فهشم أنفها . فقال الله D : " أليس الله بكاف نبيه أن يعصمه من كل سوء ويدفع عنه كل بلاء في مواطن الخوف " . وفي هذا تهكم بهم ؟ لأنهم خوفوه ما لا يقدر على نفع ولا ضر . أو ليس الله بكاف أنبياءه ولقد قالت أممهم نحو ذلك فكفاهم الله وذلك قول قوم هود : " إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء " هود : 54 ، ويجوز أن يريد : العبد والعباد على الإطلاق لأنه كافيهم في الشدائد وكافل مصالحهم . وقرىء : " بكافي عباده " على الإضافة . يكافي عباده . ويكافي : يحتمل أن يكون غير مهموز مفاعله من الكفاية كقولك : يجازي في يجزى وهو أبلغ من كفى وبنائه على لفظ المبالغة . والمباراة : أن يكون مهموزا من المكافأة وهي المجازاة لما تقدم من قوله : " ويجزيهم أجرهم " " بالذين من دونه " أراد : الأوثان التي اتخذوها آلهة من دونه " بعزيز " بغالب منيع " ذي انتقام " ينتقم من أعدائه وفيه وعيد لقريش ووعد للمؤمنين بأنه ينتقم لكم منهم وينصرهم عليهم .
" ولئن سألتهم من خلق السموت والأرض ليقولن الله قل أفرءيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كشفت ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكت رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون " قرىء : " كاشفات ضره " و " ممسكات رحمته " بالتنوين على الأصل وبالإضافة للتخفيف . فإن قلت : لم فرض المسألة في نفسه دونهم ؟ قلت : لأنهم خوفوه معرة الأوثان وتخبيلها فأمر بأن يقررهم أولا بأن خالق العالم هو الله وحده . ثم يقول لهم بعد التقرير : فإذا أرادني خالق العالم الذي أقررتم به بضر من مرض أو فقر أو غير ذلك من النوازل . أو برحمة من صحة أو غنى أو نحوهما . هل هؤلاء اللاتي خوفتموني إياهن كاشفات عني ضره أو ممسكات رحمته حتى إذا ألقمهم الحجر وقطعهم حتى لا يحيروا ببنت شفه قال : " حسبى الله " كافيا لمعرة أوثانكم " عليه يتوكل المتوكلون " وفيه تهكم . ويروى أن النبي A سألهم فسكتوا فنزل " قل حسبي الله " فإن قلت : لما قيل : كاشفات وممسكات على التأنيث بعد قوله تعالى : " ويخوفونك بالذين من دونه " ؟ قلت : أنثهن وكن إناثا وهن اللات والعزى ومناة قال الله تعالى : " أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى " النجم : 19 - 21 ، ليضعفها ويعجزها زيادة تضعيف وتعجيز عما طالبهم به من كشف الضر وإمساك الرحمة لأن الأنوثة من باب اللين والرخاوة كما أن الذكورة من باب الشدة والصلابة كأنه قال : الإناث اللاتي هن اللآت والعزى ومناة أضعف مما تدعون لهن وأعجز . وفيه تهكم أيضا .
" قل يا قومي اعملوا على مكانتكم إن عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم " " على مكانتكم " على حالكم التي أنتم عليها وجهتكم من العداوة التي تمكنتم منها . والمكانة بمعنى المكان . فاستعيرت عن العين للمعنى كما يستعار هنا . وحيث للزمان وهما للمكان . فإن قلت : حق الكلام : فإني عامل على مكانتي فلم حذف ؟ قلت : للاختصار ولما فيه من زيادة الوعيد والإيذان بأن حاله لا تقف وتزداد كل يوم قوة وشدة لأن الله ناصره ومعينه ومظهره على الدين كله . ألا ترى إلى قوله : " فسوف تعلمون من يأتيه " كيف توعدهم بكونه منصورا عليهم غالبا عليهم في الدنيا والآخرة لأنهم إذا أتاهم الخزي والعذاب فذاك عزه وغلبته من حيث إن الغلبة تتم له بعز عزيز من أوليائه وبذل ذليل من أعدائه " يخزيه " مثل مقيم في وقوعه صفة للعذاب أي : عذاب مخز له وهو يوم بدر وعذاب دائم وهو عذاب النار . وقرىء : " مكاناتكم " " إن أنزل عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن يضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل "