" قل هو نبؤا عظيم " أي : هذا الذي أنبأتكم به من كوني رسولا منذرا وأن الله واحد لا شريك له : نبأ عظيم لا يعرض عن مثله إلا غافل شديد الغفلة . ثم احتج لصحة نبؤته بأن ما ينبىء به عن الملأ الأعلى واختصامهم أمر ما كان له به من علم قط ثم علمه ولم يسلك الطريق الذي يسلكه الناس في علم ما لم يعلموا وهو الأخذ من أهل العلم وقراءة الكتب فعلم أن ذلك لم يحصل إلا بالوحي من الله " إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير " أي : لأنما أنا نذير . ومعناه : ما يوحى إلي إلا للإنذار فحذف اللام وانتصب بإفضاء الفعل إليه . ويجوز أن يرتفع على معنى : ما يوحى إلي إلا هذا وهو أن أنذر وأبلغ ولا أفرط في ذلك أي ما أومر إلا بهذا الأمر وحده وليس إلي غير ذلك وقرىء : " إنما " بالكسر على الحكاية أي : إلا هذا القول وهو أن أقود لكم : إنما أنا نذير مبين ولا أدعى شيئا آخر . وقيل : النبأ العظيم : قصص آدم عليه السلام والإنباء به من غير سماع من أحد وعن ابن عباس : القرآن . وعن الحسن : يوم القيامة . فإن قلت : بم يتعلق " إذ يختصمون " ؟ قلت : بمحذوف لأن المعنى : ما كان ليمن علم بكلام الملأ الأعلى وقت اختصامهم و " إذ قال " بدل من " إذ يختصمون " . فإن قلت : ما المراد بالملأ الأعلى . قلت : أصحاب القصة الملائكة وادم وإبليس لأنهم كانوا في السماء وكان التقاول بينهم فإن قلت : ما كان التقاول بينهم إنما كان بين الله تعالى وبينهم لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي قال لهم وقالوا له فأنت بين أمرين : إما أن تقول الملأ الأعلى هؤلاء وكان التقاول بينهم ولم يكن التقاول بينهم وإما أن تقول : التقاول كان بين الله وبينهم فقد جعلته من الملأ الأعلى . قلت : كانت مقاولة الله سبحانه بواسطة ملك فكان المقاول في الحقيقة هو الملك المتوسط فصح أن التقاول كان بين الملائكة وآدم وإبليس وهم الملأ الأعلى . والمراد بالاختصام : التقاول على ما سبق .
" إذ قال ربك للملئكة إني خلق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له سجدين فسجد الملئكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكفرين " فإن قلت : كيف صح أن يقول لهم " إني خلق بشرا " وما عرفوا ما البشر ولا عهدوا به قبل ؟ قلت : وجهه أن يكون قد قال لهم : إني خالق خلقا من صفته كيت وكيت ولكنه حين حكاه اقتصر على الاسم " فإذا سويته " فإذا أتممت خلقه وعدلته " ونفخت فيه من روحي " وأحييته وجعلته حساسا متنفسا " فقعوا " فخروا كل : للإحاطة . " ونفخت فيه من روحي " وأحييته وجعلته حساسا متنفسا " فقعوا " فخروا كل للإحاطة . وأجمعون : للاجتماع فأفادا معا أنهم سجدوا عن آخرهم ما بقي منهم ملك إلا سجد وأنهم سجدوا جميعا في وقت واحد غير متفرقين في أوقات فإن قلت : كيف ساغ السجود لغير الله . قلت : الذي لا يسوغ هو السجود لغير الله على وجه العبادة فأما على وجه التكرمة والتبجيل فلا يأباه العقل إلآ أن يعلم الله فيه مفسدة فينهى عنه فإن قلت كيف استثنى إبليس من الملائكة وهو من الجن . قلت : قد أمر بالسجود معهم فغلبوا عليه في قوله : " فسجد الملئكة " ثم استثنى كما يستثنى الواحد منهم استثنا متصلا " وكان من الكفرين " أريد : وجود كفره ذلك الوقت وإن لم يكن قبله كافرا لأن كان مطلق في جنس الأوقات الماضية فهو صالح لأيها شئت . ويجوز أن يراد : وكان من الكافرين في الأزمنة الماضية في علم الله .
" قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أم كنت من العالمين قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين "