والمراد : أنه على غضاضة سنة وتقلبه في حد الطفولة كان فيه من رصانة الحلم وفسحة الصدر ما جسره على احتمال تلك البلية العظيمة والإجابة بذلك الجواب الحكيم : أتي في المنام فقيل له : اذبح ابنك ورؤيا الأنبياء وحي كالوحي في اليقظة فلهذا قال : " إني أرى في المنام أني أذبحك " فذكر تأويل الرؤيا كما يقول الممتحن وقد رأى أنه راكب في سفينة : رأيت في المنام أني ناج من هذه المحنة وقيل : رأى ليلة التروية كأن قائلا يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا فلما أصبح روى في ذلك من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا الحلم أو من الشيطان . فمن ثم سمي يوم التروية فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله فمن ثم سمي يوم عرفة ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمي يوم النحر . وقيل : إن الملائكة حين بشرته بغلام حليم قال : هو إذن ذبيح الله . فلما ولد وبلغ حد السعي معه قيل له : أوف بنذرك " فا نظر ماذا ترى " من الرأي على وجه المشاورة . وقرىء : " ماذا ترى " أي : ماذا تبصر من رأيك وتبديه . وماذا ترى على البناء للمفعول : أي : ماذا تريك نفسك من الرأي " إفعل ما تؤمر " أي ما تؤمر به فحذف الجار كما حذف من قوله : أمرتك الخير فافعل ما أمرت بهأو أمرك على إضافة المصدر إلى المفعول وتسمية المأمور به أمرا . وقرىء : " ما تؤمر به " فإن قلت : لم شاوره في أمر هو حتم من الله . قلت : لم يشاوره ليرجع إلى رأيه ومشورته ولكن ليعلم ما عنده فيما نزل به من بلاء الله فيثبت قدمه ويصبره إن جزع ويأمن عليه الزلل إن صبر وسلم وليعلمه حتى يراجع نفسه فيوطنها ويهون عليها ويلقى البلاء وهو كالمستأنس به ويكتسب المثوبة بالانقياد لأمر الله قبل نزوله لأن المغافصة بالذبح مما يستسمج وليكون سنة في المشاورة فقد قيل : لو شاور آدم الملائكة في أكله من الشجرة لما فرط منه ذلك . فإن قلت : لم كان ذلك بالمنام دون اليقظة ؟ قلت : كما أرى يوسف عليه السلام سجود أبويه وإخوته له في المنام من غير وحي إلى أبيه وكما وعد رسول الله A دخول المسجد الحرام في المنام وما سوى ذلك من منامات الأنبياء وذلك لتقوية الدلالة على كونهم صادقين مصدوقين لأن الحال إما حال يقظة أو حال منام فإذا تظاهرت الحالتان على الصدق كان ذلك أقوى للدلالة من انفراد أحدهما . " فلما أسلما وتله للجبين وندينه أن يإبرهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلؤا المبين وفدينه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلم على إبرهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين " يقال : سلم لأمر الله وأسلم واستسلم بمعنى واحد . وقد قرىء بهن جميعا إذا انقاد له وخضع وأصلها من قولك : سلم هذا لفلان إذا خلص له . ومعناه : سلم من أن ينازع فيه وقولهم : سلم لأمر الله وأسلم له منقولان منه وحقيقة معناهما : أخلص نفسه لله وجعلها سالمة له خالصة وكذلك معنى : استسلم : استخلص نفسه لله . وعن قتادة في " أسلما " أسلم هذا ابنه وهذا نفسه " وتله للجبين " صرعه على شقه فوقع أحد جنبيه على الأرض تواضعا على مباشرة الأمر بصبر وجلد ليرضيا الرحمن ويخزيا الشيطان . وروى أن ذلك كان عند الصخرة التي بمنى وعن الحسن : في الموضع المشرف على مسجد منى