الطمس : تعفية شق العين حتى تعود ممسوحة " فاستبقوا الصراط " لا يخلو من أن يكون على حذف الجار وإيصال الفعل . والأصل : فاستبقوا إلى الصراط . أو يضمن معنى ابتدروا . أو يجعل الصراط مسبوقا لا مسبوقا إليه . أو ينتصب على الظرف . والمعنى : أنه لو شاء لمسح أعينهم فلو راموا أن يستبقوا إلى الطريق المهيع الذي اعتادوا سلوكه إلى مساكنهم وإلى مقاصدهم المألوفة التي ترددوا إليها كثيرا - كما كانوا يستبقون إليه ساعين في متصرفاتهم موضعين في أمور دنياهم - لم يقدروا وتعايى عليهم أن يبصروا ويعلموا جهة السلوك فضلا عن غيره . أو لو شاء لأعماهم فلوا أرادوا أن يمشوا مستبقين في الطريق المألوف - كما كان ذلك هجيراهم - لم يستطيعوا . أو لو شاء لأعماهم فلو طلبوا أن يخلفوا الصراط الذي اعتادوا المشي فيه لعجزوا ولم يعرفوا طريقا يعني أنهم لا يقدرون إلا على سلوك الطريق المعتاد دون ما وراءه من سائر الطرق والمسالك كما ترى العميان يهتمون فيما ألفوا وضروا به من المقاصد دون غيرها على مكانتهم وقرىء : على مكاناتهم والمكانة والمكان واحد كالمقامة والمقام . أي : لمسخناهم مسخا يجمدهم مكانهم لا يقدرون أن يبرحوه بإقبال ولا إدبار ولا مضي ولا رجوع واختلف في المسخ فعن ابن عباس : لمسخناهم قردة وخنازير . وقيل : حجارة . وعن قتادة : لأقعدناهم على أرجلهم وأزمناهم . وقرىء : " مضيا بالحركات الثلاث فالمضي والمضي كالعتي والعتي . والمضي كالصبي .
" ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون " " ننكسه في الخلق " نقلبه فيه فنخلقه على عكس ما خلقناه من قبل وذلك أنا خلقناه على ضعف في جسمه وخلو من عقل وعلم ثم جعلناه يتزايد وينتقل من حال إلى حال ويرتقي من درجة إلى درجة إلى أن يبلغ أشده ويستكمل قوته ويعقل ويعلم ما له وما عليه فإذا انتهى نكسناه في الخلق فجعلناه يتناقص حتى يرجع في حال شبيهة بحال الصبي في ضعف جسده وقلة عقله وخلوه من العلم كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله . قال D : " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا " الحج : 5 ، " ثم رددناه أسفل سافلين " التين : ه وهذه دلالة على أن من ينقلهم من الشباب إلى الهرم ومن القوة إلى الضعف ومن رجاحة العقل إلى الخرف وقلة التمييز ومن العلم إلى الجهل بعد ما نقلهم خلاف هذا النقل وعكسه - قادر على أن يطمس على أعينهم ويمسخهم على مكانتهم ويفعل بهم ما شاء وأراد : وقرىء بكسر الكاف " وننكسه " و " ننكسه " من التنكس والإنكاص أفلا يعقلون " بالياء والتاء .
" وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين " كانوا يقولون لرسول الله A : شاعر وروى أن القائل : عقبة بن أبي معيط فقيل : " محضرون فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون " اتخذوا الآلهة طمعا في أن يتقووا بهم ويتعضدوا بمكانهم والأمر على عكس ما قدروا حيث هم جند لآلهتهم معقدون " محضرون " يخدمونهم ويذبون عنهم ويغضبون لهم ؟ والآلهة لا استطاعة بهم ولا قدرة على النصر أو اتخدوهم لينصروهم عند ا ! .
له ويشفعوا لهم والأمر على خلاف ما توهموا حيث هم يوم القيامة جند معدون لهم محضرون لعذابهم لأنهم يجعلون وقودا للنار . وقرىء : " فلا يحزنك " بفتح الياء وضمها من حزنه أحزنه . والمعنى : فلا يهمنك تكذيبهم وأذاهم وجفاؤهم فإنا عالمون بما يسرون لك من عداوتهم " وما يعلنون " وإنا مجازوهم عليه فحق مثلك أن يتسلى بهذا الوعيد ويستحضر في نفسه صورة حاله وحالهم في الآخرة حتى ينقشع عنه الهم ولا يرهقه الحزن . فإن قلت : ما تقول فيمن يقول : إن قرأ قارىء : " أنا نعلم " بالفتح : انتقضت صلاته وإن اعتقد ما يعطيه من المعنى : كفر . قلت : فيه وجهان أحدهما : أن يكون على حذف لام التعليل وهو كثير في القرآن وفي الشعر وفي كل كلام وقياس مطرد وهذا معناه ومعنى الكسر سواء . وعليه تلبية رسول الله A :