ويجوز أن يكون بمعنى يتداعونه كقولك : ارتموه وتراموه . وقيل : يتمنون من قولهم : ادع علي ما شئت بمعنى تمنه علي وفلان في خير ما أدعى أي في خير ما تمنى . قال الزجاج : وهو من الدعاء أي : ما يدعو به أهل الجنة يأتيهم . و " سلام " بدل مما يدعون كأنه قال لهم : سلام يقال لهم " قولا من " جهة " رب رحيم " والمعنى : أن الله يسلم عليهم بواسطة الملائكة أو بغير واسطة مبالغة في تعظيمهم وذلك متمناهم ولهم ذلك لا يمنعونه . قال ابن عباس : فالملائكة يدخلون عليهم بالتحية من رب العالمين . وقيل . " ما يدعون " مبتدأ وخبره سلام بمعنى : ولهم ما يدعون سالم خالص لا شوب فيه . و " قولا " مصدر مؤكد لقوله تعالى : " ولهم ما يدعون سلام " أي : عدة من رب رحيم . والأوجه : أن ينتصب على الاختصاص وهو من مجازه . وقرىء : " سلم " وهو بمعنى السلام في المعنيين . وعن ابن مسعود : سلاما نصب على الحال أي لهم مرادهم خالصا .
" وامتازوا اليوم أيها المجرمون " " وامتازوا " وانفردوا عن المؤمنين وكونوا على حدة وذلك حين يحشر المؤمنون ويسار بهم إلى الجنة . ونحوه قوله تعالى : " ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون وأما الذين كفروا " الآية الروم : 14 ، . يقال : مازه فانماز وامتاز . وعن قتادة : اعتزلوا عن كل خير . وعن الضحاك : لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولا يرى . ومعناه : أن بعضهم يمتاز من بعض .
" ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم " العهد : الوصية وعهد إليه : إذا وصاه . وعهد الله إليهم : ما ركز فيهم من أدلة العقل وأنزل عليهم من دلائل السمع . وعبادة الشيطان : طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم . وقرىء : إعهد بكسر الهمزة . وباب فعل كله يجوز في حروف مضارعته الكسر إلا في الياء . وأعهد بكسر الهاء . وقد جوز الزجاج أن يكون من باب نعم ينعم وضرب يضرب . وأحهد : بالحاء . وأحد وهي لغة تميم . ومنه قولهم : دحا محا " هذا " إشارة إلى ما عهد إليهم من معصية الشيطان وطاعة الرحمن إذ لا صراط أقوم منه ونحو التنكير فيه ما في قول كثير : .
لئن كان يهدى برد أنيابها العلى ... لأفقر مني إنني لفقير .
أراد : إنني لفقير بليغ الفقر حقيق بأن أوصف به لكمال شرائطه في وإلا لم يستقم معنى البيت وكذلك قوله : " هذا صراط مستقيم " يريد صراط بليغ في بابه بليغ في استقامته جامع لكل شرط يجب أن يكون عليه . ويجوز أن يراد : هذا بعض الصرط المستقيمة توبيخا لهم على العدول عنه والتفادي عن سلوكه كما يتفادى الناس عن الطريق المعوج الذي يؤدي إلى الضلالة والتهلكة كأنه قيل : أقل أحوال الطريق الذي هو أقوم الطرق أن يعتقد فيه كما يعتقد في الطريق الذي لا يضل السالك كما يقول الرجل لولده وقد نصحه النصح البالغ الذي ليس بعده : هذا فيما أظن قول نافع غير ضار توبيخا له عن الإعراض عن نصائحه .
" ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون " قرىء : " جبلا " بضمتين وضمة وسكون وضمتين وتشديدة وكسرتين وكسرة وسكون وكسرتين وتشديدة . وهذه اللغات في معنى الخلق . وقرىء : " جبلا " جمع جبلة كفطر وخلق وفي قراءة علي Bه : واحد الأجيال جيلا .
" اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشد أرجلهم بما كانوا يكسبون " يروى أنهم يجحدون ويخاصمون فتشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم فيحلفون ما كانوا مشركين فحينئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم . وفي الحديث : " يقول العبد يوم القيامة : إني لا أجيز علي شاهدا إلا من نفسي فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل " وقرىء : يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم . وقرىء : ولتكلمنا أيديهم ولتشهد بلام كي والنصب على معنى : ولذلك نختم على أفواههم : وقرىء : ولتكلمنا أيديهم ولتشهد بلام الأمر والجزم على أن الله يأمر الأعضاء بالكلام والشهادة .
" ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون "