" سباق الأمم ثلاثة : " لم يكفروا بالله طرفة عين : علي بن أبي طالب وصاحب يس ومؤمن آل فرعون " " من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون " كلمة جامعة في الترغيب فيهم أي : لا تخسرون معهم شيئا من ديناكم وتربحون صحة دينكم فينتظم لكم خير الدنيا وخير الآخرة ثم أبرز الكلام في معرض المناصحة لنفسه وهو يريد مناصحتهم ليتلطف بهم ويداريهم ولأنه أدخل في إمحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لروحه ولقد وضع قوله : " وما لى لا أعبد الذي فطرني " مكان قوله : وما لكم لا تعبدون الذي فطركم . ألا ترى إلى قوله : " وإليه ترجعون " ولولا أنه قصد ذلك لقال : الذي فطرني وإليه أرجع وقد ساقه ذلك المساق إلى أن قال : " ءامنت بربكم فاسمعون " يريد فاسمعوا قولي وأطيعوني فقد نبهتكم على الصحيح الذي لا معدل عنه : أن العبادة لا تصح إلا لمن منه مبتدؤكم وإليه مرجعكم وما أدفع العقول وأنكرها لأن تستحبوا على عبادته عبادة أشياء إن أرادكم هو بضر وشفع لكم هؤلاء لم تنفع شفاعتهم ولم يمكنوا من أن يكونوا شفعاء عنده ولم يقدروا على إنقاذكم منه بوجه من الوجوه إنكم في هذا الاستحباب لواقعون في ضلال ظاهر بين لا يخفى على ذي عقل وتمييز . وقيل : لما نصح قومه أخذوا يرجمونه فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل فقال لهم : " إني ءامنت بربكم فاسمعون " أي اسمعوا إيماني تشهدوا لي به . وقرىء : " إن يردني الرحمن بضر " بمعنى : إن يوردني ضرا أي يجعلني موردا للضر .
" قيل ادخل الجنة قال ياليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى وجعلنى من المكرمين " أي لما قتل " قيل " له " أدخل الجنة " وعن قتادة : أدخله الله الجنة وهو فيها حي يرزق أراد قوله تعالى : " بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين " آل عمران : 169 ، وقيل : معناه البشرى بدخول الجنة وأنه من أهلها . فإن قلت : كيف مخرج هذا القول في علم البيان ؟ قلت : مخرجه مخرج الاستئناف لأن هذا من مظان المسألة عن حاله عند لقاء ربه كأن قائلأ قال : كيف كان لقاء ربه بعد ذلك التصلب في نصرة دينه والتسخي لوجهه بروحه ؟ فقيل : قيل ادخل الجنة ولم يقل قيل له لانصباب الغرض إلى المقول وعظمه لا إلى المقول له مع كونه معلوما وكذلك " قال ياليت قومى يعلمون " مرتب على تقدير سؤال سائل عما وجد من قوله عند ذلك الفوز العظيم وإنما تمنى علم قومه بحاله بكون علمهم بها سببا لاكتساب مثلها لأنفسهم بالتوبة عن الكفر والدخول في الإيمان والعمل الصالح المفضيين بأهلهما إلى الجنة . وفي حديث مرفوع : " نصح قومه حيا وميتا " وفيه تنبيه عظيم على وجوب كظم الغيظ والحلم عن أهل الجهل والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي والتشمر في تخليصه والتلطف في افتدائه والاشتغال بذلك عن الشماتة به والدعاء عليه . ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته والباغين له الغوائل وهم كفرة عبدة أصنام . ويجوز أن يتمنى ذلك ليعلموا أنهم كانوا على خطأ عظيم في أمره وأنه كان على صواب ونصيحة وشفقة وأن عداوتهم لم تكسبه إلا فوزا ولم تعقبه إلا سعادة لأن في ذلك زيادة غبطة له وتضاعف لذة وسرور . والأول أوجه . وقرىء : " المكرمين " فإن قلت : " ما " في قوله تعالى : " بما غفر لى رب " أي الماآت هي ؟ قلت : المصدرية أو الموصولة أي : بالذي غفره لي من الذنوب . ويحتمل أن تكون استفهامية يعني بأي شيء غفر لي ربي يريد به ما كان منه معهم من المصابرة لإعزاز الدين حتى قتل إلا أن قولك : " بم غفر لي " بطرح الألف أجود وإن كان إثباتها جائزا يقال : قد علمت بما صنعت هذا أي : بأي شيء صنعت وبم صنعت .
" وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون "