وقوله : " ربنا يعلم " جار مجرى القسم في التوكيد وكذلك قولهم : شهد الله وعلم الله . وإنما حسن منهم هذا الجواب الوارد على طريق التوكيد والتحقيق مع قولهم : " وما علينا إلا البلاغ المبين " أي الظاهر المكشوف بالآيات الشاهدة لصحته وإلا فلو قال المدعي : والله إني لصادق فيما أدعي ولم يحضر البينة كان قبيحا .
" قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون " " تطيرنا بكم " تشاءمنا بكم وذلك أنهم كرهوا دينهم ونفرت منهم نفوسهم وعادة الجهال أن يتيمنوا بكل شيء مالوا إليه واشتهوه وآثروه وقبلته طباعهم ويتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه فإن أصابهم نعمة أو بلاء قالوا ببركة هذا وبشؤم هذا كما حكى الله عن القبط : " وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه " الأعراف : 131 ، . وعن مشركي مكة : " وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك " النساء : 78 ، . وقيل : حبس عنهم القطر فقالوا ذلك . وعن قتادة : إن أصابنا شيء كان من أجلكم " وطائركم معكم " وقرىء : " طيركم " أي : سبب شؤمكم معكم وهو كفرهم أو أسباب شؤمكم معكم وهي كفرهم ومعاصيهم . وقرأ الحسن " أطيركم " أي تطيركم . وقرىء : " أئن ذكرتم " بهمزة الاستفهام وحرف الشرط . و " ءائن " بألف بينهما بمعنى : أتطيرون إن ذكرتم ؟ وقرىء : " أأن ذكرتم " بهمزة الاستفهام وأن الناصبة يعني : أتطيرتم لأن ذكرتم ؟ وقرىء : أن وإن بغير استفهام لمعنى الإخبار أي تطيرتم لأن ذكرتم أو إن ذكرتم تطيرتم . وقرىء : " أين ذكرتم " : على التخفيف أي شؤمكم معكم حيث جرى ذكركم وإذا شئم المكان بذكرهم كان بحلولهم فيه أشأم " بل أنتم قوم مسرفون " في العصيان ومن ثم أتاكم الشؤم لا من قبل رسل الله وتذكيرهم أو بل أنتم قوم مسرفون في ضلالكم متمادون في غيكم حيث تتشاءمون بمن يجب التبرك به من رسل الله .
" وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ءأتخذ من دونه إلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عنى شفاعتهم شيئا ولا ينقذون إنى إذا لفي ضلال مبين إنى ءامنت بربكم فاسمعون " " رجل يسعى " هو حبيب بن إسرائيل النجار وكان ينحت الأصنام وهو ممن آمن برسول الله A وبينهما ستمائة سنة كما آمن به تبع الأكبر وورقة بن نوفل وغيرهما ولم يؤمن من بنبي أحد إلا بعد ظهوره . وقيل : كان في غار يعبد الله فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه وقاول الكفرة فقالوا : أو أنت تخالف ديننا فوثبوا عليه فقتلوه . وقيل : توطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره . وقيل : رجموه وهو يقول : اللهم اهد قومي وقبره في سوق أنطاكية فلما قتل غضب الله عليهم فأهلكوا بصيحة جبريل عليه السلام . وعن رسول الله A :