" وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جيد افترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالأخرة في العذاب والضلال البعيد " " الذين كفروا " قريش . قال بعضهم لبعض : " هل ندلكم على رجل " يعنون محمدا A : يحدثكم بأعجوبة من الأعاجيب : أنكم تبعثون وتمشؤون خلقا جديدا بعد أن تكونوا رفاتا وترابا ويمزق أجسادكم البلى كل ممزق أي : يفرقكم ويبدد أجزاءكم كل تبديد . أهو مفتر على الله كذبا فيما ينسب إليه من ذلك ؟ أم به جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه ؟ ثم قال سبحانه ليس محمد من الافتراء والجنون في شيء وهو مبرأ منهما ؛ بل هؤلاء القائلون الكافرون بالبعث : واقعون في عذاب النار وفيما يؤديهم إليه من الضلال عن الحق وهم غافلون عن ذلك وذلك أجن الجنون وأشد إطباقا على عقولهم : جعل وقوعهم في العذاب من لوازمه وموجباته : جعلا كأنهما في الحقيقة مقترنان . وقرأ زيد بن علي Bه : ينبيكم . فإن قلت : فقد جعلت الممزق مصدرا كبيت الكتاب : .
ألم تعلم مسرحي القوافي ... فلاعيا بهن ولا اجتلابا .
فهل يجوز أن يكون مكانا ؟ قلت : نعم . ومعناه ما حصل من الأموات في بطون الطير والسباع وما مرت به السيول فذهبت به كل مذهب يوما سفته الرياح فطرحته كل مطروح . فإن قلت : ما العامل في إذا ؟ قلت : ما دل عليه " إنكم لفي خلق جديد " وقد سبق نظيره . فإن قلت : الجديد فعيل بمعنى فاعل أم مفعول ؟ قلت : هو عند البصريين بمعنى فاعل تقول : جد فهو جديد كحد فهو حديد وقل فهو قليل . وعند الكوفيين بمعنى : مفعول من جده إذا قطعه . وقالوا : هو الذي جده الناسج الساعة في الثوب ؛ ثم شاع . ويقولن : ولهذا قالوا ملحفة جديد وهي عند البصريين كقوله تعالى : " إن رحمة الله قريب " الأعراف : 56 ونحو ذلك . فإن قلت : لم أسقطت الهمزة في قوله " افترى " دون قوله : " آلسحر " وكلتاهما همزة وصل ؟ قلت : القياس الطرح ولكن أمرا اضطرهم إلى ترك إسقاطهم في نحو " السحر " وهو خوف التباس الاستفهام بالخبر لكون همزة الوصل مفتوحة كهمزة الاستفهام . فإن قلت : ما معنى وصف الضلال بالبعد ؟ قلت : هو من افسناد المجازي ؛ لأن البعيد صفة الضال إذا بعد عن الجادة وكلما ازداد عنها بعدا كان أضل . فإن قلت : كان رسول الله A مشهورا علما في قريش وكان إنباؤه بالبعث شائعا عندهم فما معنى قوله : " هل ندلكم على رجل ينبئكم " فنكروه لهم وعرضوا عليهم الدلالة عليه كما يدل على مجهول في أمر مجهول . قلت : كانوا يقصدون بذلك الطنز والسخرية فأخرجوه مخرج التحلي ببعض الأحاجي بها للضحك والتلهي متجاهلين به وبأمره .
" أفلم يروا إلى ما بين أيديهم ما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو تسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لأية لكل عبد منيب " يريد أعموا فلم ينظروا إلى السماء والأرض وأنهما حيثما كانوا وأينما ساروا أمامهم وخلفهم محيطتان بهم لا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما وأن يخرجوا عما هم فيه من ملكوت الله D ولم يخافوا أن يخسف الله بهم أو يسقط عليهم كسفا لتكذيبهم الآيات وكفرهم بالرسول A وبما جاء به كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة " إن في ذلك " ودلالة " لكل عبد منيب " وهو الراجع إلى ربه المطيع له ؛ لأن المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله على أنه قادر على كل شيء من البعث ومن عقاب من يكفر به قرئ : يشأ ويخسف ويسقط : بالياء ؛ لقوله تعالى : " افترى على الله كذبا " الأنعام : 93 بالنون لقوله : " ولقد آتينا " وكيفا : بفتح السين وسكونه . وقرأ الكسائي : يخسف بهم بإدغام وليست بقوية .
" ولقد ءاتينا منا فضلا منا فضلا يا جبال أوبى معه والطير وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كلا جواب وقدور راسيات اعملوا ءال داود شكرا وقليل من عبادي الشكور "