قولهم : " لا تأتينا الساعة " نفي للبعث وإنكار لمجئ الساعة . أو استبطاء لما قد وعدوه من قيامها على سبيل الهزء والسخرية كقولهم : " متى هذا الوعد " يونس : 48 ، الأنبياء : 38 . أوجب ما بعده النفي ببلى على المعنى : أن ليس الأمر إلا إتيانها ثم أعيد إيجابه مؤكدا بما هو الغاية في التوكيد والتشديد وهو التوكيد باليمين بالله D ثم أمد التوكيد القسمي إمدادا بما أتبع المقسم به من الوصف بما وصف به إلى قوله : " ليجزى " لأن عظمة حال المقسم به تؤذن بقوة حال المقسم عليه وشدة ثباته واستقامته لأنه يمنزلة الاستشهاد على الأمر وكلما كان المستشهد به أعلى كعبا وأبين فضلا وأرفع منزلة الاستشهاد على الأمر وكلما كان المستشهد به أعلى كعبا وأبين فضلا وأرفع منزلة كانت الشهادة أقوى وآكد والمستشهد عليه أثبت وأرسخ . فإن قلت : هل للوصف الذي وصف به المقسم به وجه اختصاص بهذا المعنى ؟ قلت : نعم وذلك أن قيام الساعة من مشاهير الغيوب وأدخلها في الخفية وأولها مسارعة إلى القلب : إذا قيل : عالم الغيب فحين أقسم باسمه على إثبات قيام الساعة وأنه كائن لا محالة ثم وصف بما يرجع إلى علم الغيب وأنه لا يفوت علمه شيء من الخفيات واندرج تحته إحاطته بوقت قيان الساعة فجاء ما تطلبه من وجه الاختنصاص مجيئا واضحا . فإن قلت : الناس قد أنكروا إتيان الساعة وجحدوه فهب أنه حلف لهم بأغلظ الأيمان وأقسم عليهم جهد القسم فيمين من هو في معتقدهم مفتر على الله كذبا كيف تكون مصححة لما أنكروه ؟ قلت : هذا لو اقتصر على اليمين ولم يتبعها الحجة القاطعة البينة الساطعة وهي قوله : " ليجزي " فقد وضع الله في العقول وركب في الغرائز وجوب الجزاء وأن المحسن لا بد له من ثواب والمسيء لا بد له من عقاب . وقوله : " ليجزي " متصل بقوله " لتأتينكم " تعليلا له . قرئ : لتأتينكم بالتاء والياء . ووجه من قرأ بالياء : أن يكون ضميره للساعة بمعنى اليوم . أو يسند إلى عالم الغيب أي ليأتينكم أمره كما قال تعالى : " هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو تأتى ربك " الأنعام : 158 وقال : " أو يأتي أمر ربك " النحل : 33 . وقرئ : عالم الغيب وعلام الغيب : بالجر صفة لربي . وعالم الغيب وعالم الغيوب : بالرفع على المدح . ولا يعزب : بالضم والكسر في الزاي من الغروب وهو البعد . بالرفع على المدح . ولا يعزب : بالضم والكسر في الزاي من العزوب وهو البعد . يقال : روض عزيب : بعيد من الناس " مثقال ذرة " مقدار أصغر نملة " ذلك " إشارة إلى مثقال ذرة . وقرئ : ولا أصغر من ذلك ولا أكبر . بالرفع على أصل الابتداء . وبالفتح على نفي على نفي الجنس كقولك : لا حول ولا قوة إلا بالله بالرفع والنصب . وهو كلام منقطع عما قبله . فإن قلت : هل يصح عطف المرفوع على مثقال ذرة كأنه قيل : لا يعزب عنه مثقال ذرة وأصغر وأكبر وزيادة لا لتأكيد النفي . وعطف المفتوح على ذرة بأنه فتح في موضع الجر لامتناع الصرف كأنه قيل : لا يعزب عنه مثقال ذرة ولا مثقال أصغر من ذلك ولا أكبر ؟ قلت : يأبي ذلك حرف الاستثناء إلا إذا جعلت الضمير في " عنه " للغيب . وجعلت " الغيب " اسما " للخفيات . قبل أن تكتب في اللوح لأن إثباتها في اللوح نوع من البروز عن الحجاب على معنى أنه لا ينفصل عن الغيب شيء ولا يزل عنه إلا مسطورا في اللوح .
" والذين سعو في ءاياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم " وقرئ : معجزين . وأليم بالرفع والجر . وعن قتادة : الرجز سوء العذاب .
" ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد " وقرئ : معجزين . فأليم : بالرفع والجر وعن قتادة : الرجز : سوء العذاب . ويرى في موضع الرفع أي : ويعلم ألو العلم يعني أصحاب رسول الله A ومن يطأ أعقابهم من أمته . أو علماء أهل الكتاب الذين أسلموا مثل كعب والأحبار وعبد الله ابن سلام Bهما . " الذي أنزل إليك... . الحق " هما مفعولان ليرى وهو فصل من قرأ الحق بالرفع : جعله مبتدأ و " الحق " خبرا والجملة في موضع المفعول الثاني . وقيل : " ويرى " في موضع النصب معطوف على " ليجزى " أي : وليعلم أولو العلم عند مجئ الساعة أنه الحق . علما لآ يزاد عليه في الإتقان ويحتجوا به على الذين كذبوا وتولوا . ويجوز أن يريد : وليعلم من لم يؤمن من الأحبار أنه هو الحق فيزدادوا حسرة وغما