وذلك انه جعل الخيال كالبرق لإشراقه في مسراه كما يقال انه يسري كنسيم الصبا فيطيب ما مر به كذلك يضيء ما مر حوله وينور ما مر به وهذا غلو في الصنعة إلا أن ذكره بطن وجره حشو وفي ذكره خلل لان النور القليل يؤثر في بطون الأرض وما اطمأن منها بخلاف ما يؤثر في غيرها فلم يكن من سبيله أن يربط ذلك ببطن وجره .
وتحديده المكان - على الحشو - أحمد من تحديد امرئ القيس من ذكر .
سقط اللوى بين الدخول فحومل ... فتوضح فالمقراة لم يقنع بذكر حد حتى حده بأربعة حدود كأنه يريد بيع المنزل فيخشى - إن أخل بحد - أن يكون بيعه فاسدا أو شرطه باطلا فهذا باب .
ثم إنما يذكر الخيال بخفاء الأثر ودقة الطلب ولطف المسلك وهذا الذي ذكر يضاد هذا الوجه ويخالف ما وضع عليه أصل الباب .
ولا يجوز أن يقدر مقدر أن البحتري قطع الكلام الأول وابتدأ بذكر برق لمع من ناحية حبيبه من جهة بطن وجرة لان هذا القطع إن كان كافيا فعله كان خارجا به عن النظم المحمود ولم يكن مبدعا ثم كان لا تكون فيه الفائدة لان كل برق شعل وتكرر وقع الاهتداء به في الظلام وكان لا يكون بما نظمه مفيدا ولا متقدما وهو على ما كان من مقصده فهو ذو لفظ محمود ومعنى مستجلنب غير مقصود ويعلم بمثله انه طلب العبارات وتعليق القول بالإشارات .
وهذا من الشعر الحسن الذي يحلو لفظه وتقل فوائده كقول القائل .
ولما قضينا من منى كل حاجة ... ومسح بالأركان من هو ماسح