نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم .
فانظر إن شئت إلى شريف هذا النظم وبديع هذا التأليف وعظيم هذا الرصف كل كلمة من هذه الآية تامة وكل لفظ بديع واقع .
قوله وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا يدل على صدوره من الربوبية ويبين عن وروده عن الإلهية وهذه الكلمة بمنفردها وأخواتها كل واحدة منها لو وقعت بين كلام كثير تميز عن جميعه وكان واسطة عقده وفاتحة عقده وغرة شهره وعين دهره .
وكذلك قوله ولكن جعلناه نورا نهدي من نشاء من عبادنا فجعله روحا لأنه يحي الخلق فله فضل الأرواح في الأجساد وجعله نورا لأنه يضيء ضياء الشمس في الآفاق ثم أضاف وقوع الهداية به إلى مشيئته ووقف وقوع الاسترشاد به على إرادته وبين انه لم يكن ليهتدي إليه لولا توفيقه ولم يكن ليعلم ما في الكتاب ولا الإيمان لولا تعليمه وأنه لم يكن ليهتدي فكيف كان يهدي لولاه فقد صار يهدي ولم يكن من قبل ذلك ليهتدي فقال وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور .
فانظر إلى هذه الكلمات الثلاث فالكلمتان الأوليان مؤتلفتان وقوله ألا إلى الله تصير الأمور كلمة منفصلة مباينة للأولى قد صيرهما شريف النظم أشد ائتلافا من الكلام المؤالف وألطف انتظاما من الحديث الملائم .
وبهذا يبين فضل الكلام وتظهر فصاحتة وبلاغته .
الأمر أظهر والحمد لله والحال أبين من أن يحتاج إلى كشف