سيقت هذه الآيات الأربعة كلها في رواية كريمة والأصيلي ووقع في رواية أبي ذر بين قوله يهيمون وبين قوله وإنهم يقولون ما لا يفعلون لفظ وقوله وهو حشو بلا فائدة وذكر هذه الآيات مناسب لقوله وما يكره منه لأنها في ذم الشعراء الذين يهجون الناس ويلحقهم الشعراء الذين يمدحون الناس بما ليس فيهم ويبالغون حتى إن بعضهم يخرج عن حد الإسلام ويأتون في أشعارهم من الخرافات والأباطيل قوله تعالى والشعراء جمع شاعر مرفوع على الابتداء وقوله يتبعهم الغاوون خبره وقرىء والشعراء بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر وقال أهل التأويل منهم ابن عباس وغيره إنهم شعراء المشركين يتبعهم غواة الناس ومردة الشياطين وعصاة الجن ويروون شعرهم لأنه الغاوي لا يتبع إلا غاويا مثله وعن الضحاك تهاجر رجلان على عهد النبي أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين ومع كل واحد منهما غواة من قومه وهما السفهاء فنزلت هذه الآية وقال السهيلي نزلت الآية في الثلاثة وإنما وردت بالإبهام ليدخل معهم من اقتدى بهم وقال الثعلبي أراد بهؤلاء شعراء الكفار عبد الله بن الزبعري وهبيرة ابن أبي وهب ومسافع بن عبد مناف وعمرو بن عبد الله وأمية بن أبي الصلت كانوا يهجون رسول الله فيتبعهم الناس قوله ألم تر أنهم معناه إنك رأيت آثار فعل الله فيهم أنهم في كل واد من أودية الكلام وقيل يأخذون في كل فن من لغو وكذب فيمدحون بباطل ويذمون بباطل يهيمون حائرين وعن طريق الخير والرشد والحق جائرين وقال الكسائي الهائم الذاهب على وجهه وقال أبو عبيدة الهائم المخالف للقصد قوله وأنهم يقولون ما لا يفعلون أي يقولون فعلنا ولم يفعلوا قوله إلا الذين آمنوا استثنى به الشعراء المؤمنين الصالحين الذين لا يتلفظون فيها بذنب وقال أهل التفسير لما نزلت هذه الآية والشعراء يتبعهم الغاوون جاء عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن ثابت إلى رسول الله وهم يبكون فقالوا يا رسول الله أنزل الله هذه الآية وهو يعلم أنا شعراء فقال اقرأوا ما بعدها إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية وعن ابن عباس إلا الذين آمنوا يعني ابن رواحة وحسانا قوله وذكروا الله كثيرا أي في شعرهم وقيل في خلال كلامهم وقيل لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله تعالى قوله وانتصروا من بعده ما ظلموا أي من المشركين لأنهم بدأوا بالهجاء وكذبوا النبي وأخرجوا المسلمين من مكة وقوله وسيعلم الذين ظلموا أي أشركوا وهجوا النبي والمؤمنين قوله أي منقلب ينقبلون أي مرجع يرجعون إليه بعد مماتهم يعني ينقلبون إلى جهنم يخلدون فيها والفرق بين المنقلب والمرجع أن المنقلب الانتقال إلى ضد ما هو فيه والمرجع العود من حال إلى حال فكل مرجع منقلب وليس كل منقلب مرجعا .
وقال ابن عباس في كل واد يهيمون في كل لغو يخوضون .
يعني قال ابن عباس في تفسير قوله في كل واد يهيمون في كل لغو يخوضون ووصل هذا التعليق ابن أبي حاتم والطبراني من طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله في كل واد قال في كل لغو وفي قوله يهيمون قال يخوضون .
168 - ( حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن أن مروان بن الحكم أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أخبره أن أبي بن كعب أخبره أن رسول الله قال إن من الشعر حكمة ) .
مطابقته للترجمة من حيث أن الشعر فيه حكمة فالحكمة إذا كانت في شعر من الأشعار يجوز إنشاد هذا الشاعر ويجيء الآن أن المراد بالحكمة هو القول الصادق المطابق للواقع وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي وفي هذا الإسناد أربعة من التابعين قريشيون مدنيون على نسق واحد وهم من الزهري إلى أبي بن كعب