( بيان اللغات ) قوله فلا يتنفس من باب التفعل يقال تنفس يتنفس تنفسا والتنفس له معنيان أحدهما أن يشرب ويتنفس في الإناء من غير أن يبينه عن فيه وهو مكروه والآخر أن يشرب الماء وغيره من الإناء بثلاثة أنفاس فيبين فاه عن الإناء في كل نفس وأصل التركيب يدل على خروج النسيم كيف كان من ريح أو غيرها وإليه ترجع فروعه والتنفس خروج النفس من الفم وكل ذي رئة يتنفس وذوات الماء لا ريات لها كذا قاله الجوهري قوله في الإناء وهي الوعاء وجمعها آنية وجمع الآنية الأواني مثل سقاء وأسقية وأساقي وأصله غير مهموز ولهذا ذكره الجوهري في باب أني فعلى هذا أصله أناي قلبت الياء همزة لوقوعها في الطرف بعد ألف ساكنة قوله الخلاء ممدود المتوضأ ويطلق على الفضاء أيضا قوله فلا يمس من مسست الشيء بالكسر أمس مسا ومسيسا ومسيسي مثال خصيصي هذه هي اللغة الفصيحة وحكى أبو عبيدة مسسته بالفتح أمسه بالضم وربما قالوا أمست الشيء يحذفون منه السين الأولى ويحولون كسرتها إلى الميم ومنهم لا يحول ويترك الميم على حالها مفتوحة وهو مثل قوله ( فظلتم تفكهون ) بكسر الظاء وتفتح وأصله ظللتم وهو من شواذ التخفيف ويجوز فيه ثلاثة أوجه من حيث القاعدة فتح السين لخفة الفتحة وكسرها لأن الساكن إذا حرك حرك بالكسر وفك الإدغام على ما عرف في موضعه قوله ولا يتمسح أي ولا يستنجي وهو من باب التفعل أشار به إلى أنه لا يتكلف المسح باليمين لأن باب التفعل للتكلف غالبا .
( بيان الإعراب ) قوله فلا يتنفس بجزم السين لأنه صيغة النهي وكذا قوله فلا يمس ولا يتمسح وروى بالضم في هذه الألفاظ الثلاثة على صيغة النفي والفاء في قوله فلا يتنفس وفلا يمس جواب الشرط وقوله ولا يتمسح بالواو عطف على قوله فلا يمس وإنما لم يظهر الجزم في فلا يمس لأجل الإدغام وعند الفك يظهر الجزم تقول فلا يمسس .
( بيان المعاني ) قوله فلا يتنفس قد ذكرنا أنه نهي ويحتمل النفي وعلى كل تقدير هو نهي أدب وذلك أنه إذا فعل ذلك لم يأمن أن يبرز من فيه الريق فيخالط الماء فيعافه الشارب وربما يروح بنكهة المتنفس إذا كانت فاسدة والماء للطفه ورقة طبعه تسرع إليه الروائح ثم أنه يعد من فعل الدواب إذا كرعت في الأواني جرعت ثم تنفست فيها ثم عادت فشربت وإنما السنة أن يشرب الماء في ثلاثة أنفاس كلما شرب نفسا من الإناء نحاه عن فمه ثم عاد مصا له غير عب إلى أن يأخذ ريه منه والتنفس خارج الإناء أحسن في الأدب وأبعد عن الشره وأخف للمعدة وإذا تنفس فيه تكاثر الماء في حلقه وأثقل معدته وربما شرق وأذى كبده وهو فعل البهائم وقد قيل أن في القلب بابين يدخل النفس من أحدهما ويخرج من الآخر فيبقى ما على القلب من هم أو قذى ولذلك لو احتبس النفس ساعة هلك الآدمي ويخشى من كثرة التنفس في الإناء أن يصحبه شيء مما في القلب فيقع في الماء ثم يشربه فيتأذى به وقيل علة الكراهة أن كل عبة شربة مستأنفة فيستحب الذكر في أولها والحمد في آخرها فإذا وصل ولم يفصل بينهما فقد أخل بعدة سنن فإن قلت لم يبين في الحديث عدد التنفس خارج الإناء غاية ما في الباب أنه نهى عن التنفس فيها قلت قد بينه في الحديث الآخر بالتثليث وقد اختلف العلماء في أي هذه الأنفاس الثلاثة أطول على قولين أحدهما الأول والثاني أن الأول أقصر والثاني أزيد منه والثالث أزيد منهما فيجمع بين السنة والطب لأنه إذا شرب قليلا قليلا وصل إلى جوفه من غير إزعاج ولهذا جاء في الحديث مصوا الماء مصا ولا تعبوه عبا فإنه أهنأ وأمرأ وأبرأ فإن قلت قد صح عن أنس Bه أن النبي E كان يتنفس في الإناء ثلاثا قلت المعنى يتنفس في مدة شربه عند إبانة القدح عن الفم لا التنفس في الإناء لا سيما مع قوله هو أهنأ وأمرأ وأبرأ أو فعله بيانا للجواز أو النهي خاص بغيره لأن ما يتقذر من غيره يستطاب منه فإن قلت هل الحكم مقصور على الماء أم غيره من الأشربة مثله قلت النهي المذكور غير مختص بشرب الماء بل غيره مثله وكذلك الطعام مثله فكره النفخ فيه والتنفس في معنى النفخ وفي جامع الترمذي مصححا عن أبي سعيد الخدري أنه نهى عن النفخ في الشراب فقال رجل القذاة أراها في الإناء قال أهرقها قال فإني لا أروى من نفس واحد قال فابن القدح إذا عن فيك فإن قلت ما الدليل على العموم قلت حذف المفعول في قوله وإذا شرب وذلك لأن حذف