والحرب سجال .
مناسبته للآية ظاهرة لأنها تتضمن معناه كما ذكرناه وسجال بكسر السين يعني تارة لنا وتارة علينا ففي غلبتنا يكون الفتح وفي غلبتهم تكون الشهادة وهذا مطابق لمعنى الآية وكل فتح يقع إلى يوم القيامة أو غنيمة فإنه من إحدى الحسنيين وكل قتيل يقتل في سبيل الله إلى يوم القيامة فهو من إحدى الحسنيين وإنما يبتلي الله الأنبياء عليهم السلام ليعظم لهم الأجر والثواب ولمن معهم ولئلا تخرق العادة الجارية بين الخلق ولو أراد الله خرقها لأهلك الكفار كلهم بغير حرب والسجال جمع سجل في الأصل وهو الدلو إذا كان ملآن ماء ولا تكون الفارغة سجلا وسجال هنا من المساجلة وهي المناولة في الأمر وهو أن يفعل كل من المتساجلين مثل صاحبه فتارة له وتارة لصاحبه .
4082 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله ابن عبد الله ) أن ( عبد الله بن عباس ) أخبره أن ( أبا سفيان ) أخبره أن هرقل قال له سألتك كيف كان قتالكم إياه فزعمت أن الحرب سجال ودول فكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة .
مطابقته للترجمة في قوله فزعمت أن الحرب بينكم سجال وقد ذكرنا أن في معنى إحدى الحسنيين معنى الحرب سجال وكل واحد منهما يتضمن معنى الآخر فتحصل المطابقة ولا يحتاج ههنا إلى تطويل الشراح الذي يشوش على ذهن الناظر فيه وهذا الذي ذكره قطعة من حديث أبي سفيان في قصة هرقل وقد مر في أول الكتاب مطولا ومر الكلام فيه مبسوطا قوله ودول جمع دولة ومعناه رجوع الشيء إليك مرة وإلى صاحبك أخرى تتداولانه وقال أبو عمر وهي بالفتح الظفر في الحرب وبالضم ما يتداوله الناس من المال وعن الكسائي بالضم مثل العارية يقال اتخذوه دولة يتداولونه وبالفتح من دال عليهم الدهر دولة ودالت الحرب بهم وقيل الدولة بالضم الإسم وبالفتح المصدر وقال القزاز العرب تقول الأيام دول ودول ودول ثلاث لغات وفي ( الباهر ) لابن عديس عن الأحمر جاء بالدولة والتؤلة تهمز ولا تهمز وفي ( البارع ) عن أبي زيد دولة بفتح الدال وسكون الواو و دول بفتح الدال والواو وبعض العرب يقول دول قوله فكذلك تبتلى أي تختبر قوله ثم تكون لهم العاقبة عاقبة الشيء آخر أمره .
21 - .
( باب قول الله تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ( الأحزاب 32 ) ) .
أي هذا باب في ذكر قول الله D وإنما ذكر هذه الآية لأن المذكور في الحديث رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا والآية المذكورة نزلت فيهم على ما نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى قوله من المؤمنين رجال ( الأحزاب 32 ) جملة إسمية من المبتدأ أعني رجال والخبر أعني من المؤمينين وذكر الواحدي من حديث إسماعيل بن يحيى البغدادي عن أبي سنان عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي رضي الله تعالى عنه قال قالوا له حدثنا عن طلحة فقال ذاك امرؤ نزلت فيه آية من كتاب الله تعالى فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ( الأحزاب 32 ) طلحة ممن قضى نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل ومن حديث عيسى بن طلحة أن النبي مر عليه طلحة فقال هذا ممن قضى نحبه وقال مقاتل في تفسيره رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ( الأحزاب 32 ) ليلة العقبة بمكة فمنهم من قضى نحبه ( الأحزاب 32 ) يعني أجله فمات على الوفاء يعني حمزة وأصحابه رضي الله تعالى عنهم المقتولين بأحد ومنهم من ينتظر يعني من المؤمنين من ينتظر أجله يعني على الوفاء بالعهد وما بدلوا ( الأحزاب 32 ) كما بدل المنافقون وفي ( تفسير النفسي ) والنحب يأتي على وجوه النذر أي قضى نذره والخطر إي فرغ من خطر الحياة لأن الحي على خطر ما عاش والسير السريع أي سار بسرعة إلى أجله والنوبة أي قضى نوبته و النفس أي فرغ من أنفاسه والنصب أي فرغ من نصب العيش وجهده وهذا كله يعود إلى معاني الموت وانقضاء