النبي ما هذا الغلام فقال أعطانيه أبي قال فكل أخوته أعطيته كما أعطيت هذا قال لا قال فرده وكذا صرح به في حديث جابر رواه مسلم عنه قال قالت امرأة بشير إنحل ابني غلامك وأشهد لي رسول الله الحديث فإن قلت روى ابن حبان من رواية ابن حريز بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وفي آخره زاي على وزن كريم والطبراني أيضا عن الشعبي أن النعمان خطب بالكوفة فقال إن والدي بشير بن سعد أتى النبي فقال إن عمرة بنت رواحة نفست بغلام وإني سميته النعمان وأنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديقة من أفضل مال هو لي فإنها قالت أشهد على ذلك رسول الله وفيه قوله لا أشهد على جور قلت وفق ابن حبان بين الروايتين بالحمل على واقعتين إحداهما عند ولادة النعمان وكانت العطية حديثة والأخرى بعد أن كبر النعمان وكانت العطية عبدا وقال بعضهم يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في المسألة حتى يعود إلى رسول الله يستشهد على العطية الثانية بعد أن قال له في الأولى لا أشهد على جور قلت لا بعد في هذا أصلا فإن الإنسان مأخوذ من النسيان وهموم أحوال الدنيا وغم أحوال الآخرة تنسي أن نسيان والنسيان غالب حتى قيل إن الإنسان مأخوذ من النسيان قوله عمرة بنت رواحة بفتح الراء الأنصارية زوجة بشير أم النعمان وهي أخت عبد الله بن رواحة قوله حتى تشهد من الإشهاد وسيأتي في الشهادات من حديث الشعبي سبب سؤال شهادة رسول الله ولفظه عن النعمان قال سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله ولفظ مسلم عن الشعبي حدثني النعمان بن بشير أن أمه ابنة رواحة سألت أباه بعض الموهبة من ماله فالتوى بها سنة أي مطلها ثم بدا له وفي رواية ابن حبان من هذا الوجه بعد حولين والتوفيق بين الروايتين بأن يقال إن المدة كانت سنة وشيئا فجبر الكسر تارة وألغى أخرى ثم في رواية مسلم فأخذ أبي بيدي وأنا يومئذ غلام فأتى رسول الله وفي رواية أخرى له قال انطلق بين أبي يحملني إلى رسول الله والتوفيق بين الروايتين بأن يقال إنه أخذ بيده فمشى معه بعض الطريق وحمله في بعضها لصغر سنه قوله فرجع فرد عليه عطيته وفي رواية لمسلم فرجع أبي فرد تلك الصدقة وسيأتي في الشهادات قال لا تشهدني على جور وفي رواية لمسلم ولا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور وفي رواية له وإني لا أشهد إلا على حق وفي رواية الطحاوي فأشهد على هذا غيري وكذا في رواية النسائي وفي رواية عبد الرزاق من طريق طاووس مرسلا لا أشهد إلا على الحق لا أشهد بهذه وفي رواية عروة عند النسائي فكره أن يشهد له وقد ذكرنا وجه امتناعه عن الشهادة عن قريب واختلاف الألفاظ في هذه القصة الواحدة يرجع إلى معنى واحد .
ذكر ما يستفاد منه احتج به من أوجب التسوية في عطية الأولاد وبه صرح البخاري وهو قول طاووس والثوري وأحمد وإسحاق كما ذكرناه وقال به بعض المالكية ثم المشهور عند هؤلاء أنها باطلة وعن أحمد يصح ويجب عليه أن يرجع و عنه يجوز التفاضل إن كان له سبب كاحتياح الولد لزمانته أو دينه أو نحو ذلك وقال أبو يوسف تجب التسوية إن قصد بالتفضيل الإضرار وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فإن فضل بعضا صح وكره وحملوا الأمر على الندب والنهي على التنزيه .
ثم اختلفوا في صفة التسوية فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية وبعض المالكية العدل إن يعطي الذكر حظين كالميراث وقال غيرهم لا يفرق بين الذكر والأنثى وظاهر الأمر بالتسوية يشهد لهم واستأنسوا بحديث أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريقه عن ابن عباس مرفوعا سووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء وأجاب عن حديث النعمان من حمل الأمر بالتسوية على الندب بوجوه .
الأول أن الموهوب للنعمان كان جميع مال والده فلذلك منعه ورد هذا بأن كثيرا من طرق حديث النعمان صريح بالبعضية وقال القرطبي ومن أبعد التأويلات أن النهي إنما يتناول من وهب جميع ماله لبعض ولده كما ذهب إليه سحنون وكأنه لم يسمع في نفس هذا الحديث أن الموهوب كان غلاما وأنه وهبه له لما سألته الأم الهبة من بعض ماله قال وهذا يعلم منه على القطع أنه كان له مال غيره .
الثاني أن العطية المذكورة لم تتنجز وإنما جاء بشير والد النعمان يستشير النبي فأشار إليه بأن لا يفعل فترك حكاه