في الحرم وفصل الآخرون كما قاله ابن عباس هنا فإن قلت ما سبب الاختلاف في ذلك قلت منشأ الاختلاف فيه هل نحر النبي الهدي بالحديبية في الحل أو في الحرم وكان عطاء يقول لم ينحر يوم الحديبية إلا في الحرم ووافقه ابن إسحاق وقال غيره من أهل المغازي إنما نحر في الحل وأبو حنيفة أخذ بقول عطاء وفي ( الاستذكار ) قال عطاء وابن إسحاق لم ينحر هديه يوم الحديبية إلا في الحرم .
وقال مالك وغيره ينحر هديه ويحلق في أي موضع كان ولا قضاء عليه لأن النبي وأصحابه بالحديبية نحروا وحلقوا من كل شيء قبل الطواف وقبل أن يصل الهدي إلى البيت ثم لم يذكر أن النبي أمر أحدا أن يقضوا شيئا ولا يعودوا له والحديبية خارج الحرم .
الذي قال مالك مذكور في ( موطئه ) ولفظه أنه بلغه أن رسول الله حل هو وأصحابه بالحديبية فنحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت وقبل أن يصل إليه الهدي ثم لم نعلم أن رسول الله أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا ولا أن يعودوا لشيء قوله وغيره أي غير مالك قال بعضهم الذي يظهر لي أنه عنى به الشافعي لأن قوله في آخره والحديبية خارج الحرم هو كلام الشافعي في ( الام ) انتهى قلت قوله والحديبية خارج الحرم لا يدل على أن المراد من الغير هو الشافعي لأن الشافعي نقل عنه أيضا أن بعض الحديبية في الحل وبعضها في الحرم فإذا كان كذلك كيف يجوز أن يترك الموضع الذي من الحرم من الحديبية وينحر في الحل والحال أن بلوغ الكعبة صفة للهدي في قوله تعالى هديا بالغ الكعبة ( المائدة 59 ) وقد قال ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا أبو أسامة عن أبي عميس عن عطاء قال كان منزل النبي يوم الحديبية في الحرم فإذا كان منزل النبي في الحرم كيف ينحر هديه في الحل وهذا محال قوله في أي موضع كان ويروى في أي المواضع وقال الكرماني كان أي الحصر لا الحلق قلت إنما فسر بهذا لأجل مذهبه وليس كذلك بل الضمير في كان يرجع إلى الحلق الذي يدل عليهقوله ويحلق قوله ولا يعودوا له كلمة لا زائدة كقوله تعالى ما منعك أن لا تسجد ( الأعراف 21 ) قوله والحديبية خارج الحرم قال الكرماني هذه الجملة يحتمل أن تكون من تتمة كلام مالك وأن تكون من كلام البخاري وغرضه الرد على من قاللا يجوز النحر حيث أحصر بل يجب البعث إلى الحرم فلما ألزموا بنحر رسول الله أجابوا بأن الحديبية إنما هي من الحرم فرد ذلك عليهم انتهى قلت هذه الجملة سواء كانت من كلام مالك أو من كلام البخاري لا تدل على غرضه لأن كون الحديبية خارج الحرم ليس مجمعا عليه وقد روى الطحاوي من حديث الزهري عن عروة عن المسور أن رسول الله كان بالحديبية خباؤه في الحل ومصلاه في الحرم ولا يجوز في قول أحد من العلماء لمن قدر على دخول شيء من الحرم أن ينحر هديه دون الحرم وروى البيهقي من حديث يونس عن الزهري عن عروة بن الزبير عن مروان والمسور بن مخرمة قالا خرج رسول الله زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه الحديث بطوله وفيه وكان مضطربه في الحل وكان يصلي في الحرم انتهى قلت المضطرب هو البناء الذي يضرب ويقام على أوتاد مضروبة في الأرض والخباء بكسر الخاء بيت من صوف أو وبر والجمع أخبية وإذا كان من شعر يسمى بيتا .
3181 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( نافع ) أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله فأهل بعمرة من أجل أن النبي كان أهل بعمرة عام الحديبية ثم أن عبد الله