النبي وقال البيضاوي عرف ذلك بالعرف وذلك يقتضي الوجوب قيل فيه نظر لأنه ليس فيه صيغة الأمر ( قلت ) في رواية أبي داود عن ابن عباس عن النبي قال أمرت قال حماد أمر نبيكم أن يسجد على سبعة ولا يكف شعرا ولا ثوبا انتهى فهذا قوله أمرت يدل على أن الله تعالى أمره والأمر من الله تعالى يدل على الوجوب وفي رواية مسلم أمرت أن أسجد على سبعة الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين ( فإن قلت ) رواية البخاري هذه تحتمل الخصوصية ( قلت ) روايته الأخرى التي ذكرها عقيب هذا الحديث وهي قوله أمرنا تدل على أنه لعموم الأمة واختلف الناس فيما فرض على النبي هل تدخل معه الأمة فقيل نعم والأصح لا إلا بدليل وقيل إذا خوطب بأمر أو نهي فالمراد به الأمة معه وهذا لا يثبت إلا بدليل ورواية أمرنا تدل على أن ابن عباس تلقاه عن النبي إما سماعا منه وإما بلاغا عنه وبهذا يرد كلام الكرماني حيث قال ظاهره الإرسال أي ظاهر هذا الحديث ثم قال الكرماني ( فإن قلت ) بم عرف ابن عباس أنه أمر بذلك ( قلت ) إما بإخباره له أو لغيره أو باجتهاده لأنه ما ينطق عن الهوى انتهى ( قلت ) على تقدير إخباره لابن عباس كيف يكون الحديث مرسلا وقد قال ظاهره الإرسال قوله ولا يكف شعرا عطف على قوله أن يسجد وفي رواية لا يكفت الثياب ولا الشعر والكفت والكف بمعنى واحد وهو الجمع والضم ومنه قوله تعالى ألم نجعل الأرض كفاتا أي نجمع الناس في حياتهم وموتهم والكفات بمعنى الكف قوله ولا ثوبا أي ولا يكف ثوبا قوله الجبهة بالجر عطف بيان لقوله على سبعة أعضاء وما بعدها عطف عليها قوله واليدين يريد الكفين خلافا لمن زعم أنه يحمل على ظاهره لأنه لو حمل على ذلك لدخل تحت المنهي عنه الافتراش كافتراش السبع والكلب قوله والرجلين يريد أطراف القدمين وبين ذلك رواية ابن طاوس عنه كذلك قوله ولا يكف شعرا ولا ثوبا جملتان معترضتان بين قوله على سبعة أعضاء وبين قوله الجبهة .
( ذكر ما يستفاد منه ) احتج به أحمد وإسحق على أنه لا يجزيه من ترك السجود على شيء من الأعضاء السبعة وهو الأصح من قولي الشافعي فيما رجحه المتأخرون خلاف ما رجحه الرافعي وهو مذهب ابن حبيب وكأن البخاري مال إلى هذا القول ولم يذكر الأنف في هذا الحديث وذكر الأنف في حديث آخر لابن عباس على ما يأتي عن قريب واختلفوا في السجود على الأنف هل هو فرض مثل غيرها فقالت طائفة إذا سجد على جبهته دون أنفه أجزأه روي ذلك عن ابن عمر وعطاء وطاوس والحسن وابن سيرين والقاسم وسالم والشعبي والزهري والشافعي في أظهر قوليه ومالك وأبي يوسف وأبي ثور والمستحب أن يسجد على أنفه مع الجبهة وقالت طائفة يجزيه أن يسجد على أنفه دون جبهته وهو قول أبي حنيفة وهو الصحيح من مذهبه وروى أسد بن عمر وعنه لا يجوز الاقتصار على الأنف إلا من عذر وقال ابن بطال اختلف العلماء فيما يجزىء السجود عليه من الآراب السبعة بعد إجماعهم على أن السجود على الأرض فريضة وقال النووي أعضاء السجود سبعة وينبغي للساجد أن يسجد عليها كلها وأن يسجد على الجبهة والأنف جميعا وأما الجبهة فيجب وضعها مكشوفة على الأرض ويكفي بعضها والأنف مستحب فلو تركه جاز ولو اقتصر عليه وترك الجبهة لم يجزه هذا مذهب الشافعي ومالك والأكثرين وقال أبو حنيفة وابن القاسم من أصحاب مالك له أن يقتصر على أيهما شاء وقال أحمد وابن حبيب من أصحاب مالك يجب أن يسجد على الجبهة والأنف جميعا لظاهر الحديث وقال الأكثرون بل ظاهر الحديث أنهما في حكم عضو واحد لأنه قال في الحديث سبعة فإن جعلا عضوين صارت ثمانية وذكر الأنف استحبابا وذكر أصحاب التشريح أن عظمي الأنف يبتدئان من قرنة الحاجب وينتهيان إلى الموضع الذي فوق الثنايا والرباعيات فعلى هذا يكون الأنف والجبهة التي هي أعلى الخد واحدا وقال ابن بطال أن في بعض طرق حديث ابن عباس أمرت أن أسجد على سبعة أعظم منها الوجه ( قلت ) يؤيده قوله وهو ساجد فيما رواه مسلم سجد وجهي للذي خلقه الحديث وأما اليدان والركبتان والقدمان فهل يجب السجود عليها فقال النووي فيه قولان للشافعي أحدهما لا يجب لكن يستحب استحبابا متأكدا والثاني يجب وهو الأصح وهو الذي رجحه الشافعي فلو أخل بعضو منها لم تصح