قال سعيد بن جبير إقطع صلاتك عند الإقامة وعند ابن أبي شيبة قال سفيان كان قيس بن أبي حازم يأمنا فأقام المؤذن الصلاة وقد صلى ركعة فتركها ثم تقدم فصلى بنا وكذا قاله الشعبي واستدل من أجاز ذلك بقوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم وبما رواه البيهقي من طريق حجاج بن نصير عن عباد بن كثير عن ليث عن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الفجر قال البيهقي هذه الزيادة لا أصل لها وحجاج وعباد ضعيفان ( قلت ) قال يعقوب بن شيبة سألت ابن معين عن حجاج بن نصير الفساطيطي البصري فقال صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وعباد بن كثير كان من الصالحين وعن ابن مسعود أنه دخل المسجد وقد أقيمت صلاة الصبح فركع ركعتي الفجر إلى أسطوانة بمحضر حذيفة وأبي موسى قال ابن بطال وروى مثله عن عمر بن الخطاب وأبي الدرداء وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وعن ابن عمر أنه أتى المسجد لصلاة الصبح فوجد الإمام يصلي فدخل بيت حفصة فصلى ركعتين ثم دخل في صلاة الإمام وعند ابن أبي شيبة عن إبراهيم كان يقول إن بقي من صلاتك شيء فأتممه وعنه إذا افتتحت الصلاة تطوعا وأقيمت الصلاة فأتم الثاني من الوجوه في حكمة إنكار النبي الصلاة عند إقامة الفرض فقال عياض لئلا يتطاول الزمان فيظن وجوبها ويؤيده قوله فيما رواه مسلم من حديث إبراهيم بن سعد يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعا وقد ذكرناه عن قريب وعلى هذا إذا حصل الأمن لا يكره ذلك وقال بعضهم وهو متعقب بعموم حديث الترجمة ( قلت ) قوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم يخص هذا العام مع ما روى عن هؤلاء الصحابة المذكورين آنفا وقال هذا القائل أيضا وقيل لئلا تلتبس صلاة الفرض بالنفل وإلى هذا جنح الطحاوي واحتج له ومقتضاه أنه لو كان خارج المسجد أو في زاوية منه لم يكره وهو متعقب أيضا بما ذكر انتهى ( قلت ) دعواه التعقب متعقبة لأن الأصل في النصوص التعليل وهو وجه الحكمة فالعلة في حديث الترجمة هي كونه جامعا بين الفرض والنفل في مكان واحد فإذا صلى خارج المسجد أو في زاوية منه لا يلزم ذلك وهو كنهيه من صلى الجمعة أن يصلي بعدها تطوعا في مكان واحد كما نهى من صلى الجمعة أن يتكلم أو يتقدم وقال هذا القائل هذا أيضا وذهب بعضهم إلى أن سبب الإنكار عدم الفصل بين الفرض والنفل لئلا يلتبسا وإلى هذا جنح الطحاوي واحتج له بالأحاديث الواردة بالأمر بذلك ومقتضاه أنه لو كان في زاوية من المسجد لم يكره وهو متعقب بما ذكره إذ لو كان المراد مجرد الفصل بين الفرض والنفل لم يحصل إنكار أصلا لأن ابن بحينة سلم من صلاته قطعا ثم دخل في الفرض انتهى ( قلت ) ذكر شيئا لا يجدي لرده ما قاله الطحاوي فلو نقل ما رواه الطحاوي أيضا لكان علم أن رده ليس بشيء وهو أنه روى بسنده أن رسول الله مر بابن بحينة وهو يصلي بين يدي نداء الصبح فقال لا تجعلوا هذه الصلاة كصلاة الظهر واجعلوا بينهما فصلا فبان بهذا أن الذي كرهه النبي لابن بحينة وصله إياها بالفريضة في مكان واحد دون أن يفصل بينهما بشيء يسير ( قلت ) فعلم بذلك أنه ما اعتبر الفصل اليسير والسلام منه وكان سبب الكراهة الوصل بين الفرض والنفل في مكان واحد ولا اعتبار بالفصل بالسلام فمقتضى ذلك أن لا يكره خارج المسجد ولا في زاوية منه وهذا هو التحقيق في استنباط الأحكام من النصوص وليس ذلك بالتحسيس من الخارج وقال النووي الحكمة في الإنكار المذكور أن يتفرغ للفضيلة من أولها فيشرع فيها عقيب شروع الإمام والمحافظة على مكملات الفريضة أولى من التشاغل بالنافلة ( قلت ) الاشتغال بسنة الفجر الذي ورد فيه التأكيد بالمحافظة عليها مع العلم بإدراكه الفريضة أولى ( فإن قلت ) في حديث الترجمة منع عن التنفل بعد الشروع في إقامة الصلاة سواء كان من الرواتب أو لا لما روى مسلم بن خالد عن عمرو بن دينار في هذا الحديث قيل يا رسول الله ولا ركعتي الفجر قال ولا ركعتي الفجر أخرجه ابن عدي في ترجمة يحيى بن نصر ابن حاجب ( قلت ) روى البخاري ومسلم وأبو داود من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت أن رسول الله لم يكن على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتين قبل الصبح وروى أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل أي لا تتركوهما وإن طردتكم الفرسان فهذا كناية عن المبالغة وحث عظيم على مواظبتهما وعن هذا أصحابنا ذهبوا فيه إلى ما ذكرنا عنهم على أن فيه الجمع بين الأمرين