( وقال مجاهد شرع لكم أوصيناك يا محمد وإياه دينا واحدا ) .
مجاهد هو ابن جبير بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة وفي آخره راء ويقال جبير والأول أصح المخزومي مولى عبد الله بن السائب المخزومي وقيل غيره سمع ابن عباس وابن عمر وأبا هريرة وجابر أو عبد الله بن عمرو وغيرهم قال مجاهد عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة واتفقوا على توثيقه وجلالته وهو إمام في الفقه والتفسير والحديث مات سنة مائة وقيل إحدى وقيل اثنتين وقيل أربع ومائة وهو ابن ثلاث وثمانين سنة بمكة وهو ساجد روى له الجماعة وأخرج أثره هذا عبد بن حميد في تفسيره بسند صحيح عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه ورواه ابن المنذر بإسناده بلفظة وصاه قوله وإياه يعني نوحا عليه السلام أي هذا الذي تظاهرت عليه أدلة الكتاب والسنة من زيادة الإيمان ونقصانه هو شرع الأنبياء عليهم السلام الذين قبل نبينا كما هو شرع نبينا لأن الله سبحانه وتعالى قال ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ) ويقال جاء نوح عليه السلام بتحريم الحرام وتحليل الحلال وهو أول من جاء من الأنبياء بتحريم الأمهات والبنات والأخوات ونوح أول نبي جاء بعد إدريس عليه السلام وقد قيل أن الذي وقع في أثر مجاهد تصحيف والصواب أوصيناك يا محمد وأنبياءه وكيف يقول مجاهد بإفراد الضمير لنوح وحده مع أن في السياق ذكر جماعة قلت ليس بتصحيف بل هو صحيح ونوح أفرد في الآية وبقية الأنبياء عليهم السلام عطفت عليه وهم داخلون فيما وصى به نوحا وكلهم مشتركون في هذه الوصية فذكر واحد منهم يغني عن الكل على أن نوحا أقرب المذكورين وهو أولى بعود الضمير إليه فافهم ( وقال ابن عباس شرعة ومنهاجا سبيلا وسنة ) .
يعني عبد الله بن عباس فسر قوله تعالى ( شرعة ومنهاجا ) بالسبيل والسنة وقال الجوهري النهج الطريق الواضح وكذا المنهاج والشرعة الشريعة ومنه قوله تعالى ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) والشريعة ما شرعه الله لعباده من الدين وقد شرع لهم يشرع شرعا أي سن فعلى هذا هو من باب اللف والنشر الغير المرتب وفي بعض النسخ سنة وسبيلا فهو مرتب وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة شرعة ومنهاجا قال الدين واحد والشريعة مختلفة وقال ابن إسحق قال بعضهم الشرعة الدين والمنهاج الطريق وقيل هما جميعا الطريق والطريق هنا الدين ولكن اللفظ إذا اختلف أتى به بألفاظ يؤكد بها القصة وقال محمد بن يزيد شرعة معناها ابتداء الطريق والمنهاج الطريق المستمر وآثر ابن عباس هذا أخرجه الأزهري في تهذيبه عن ابن ماهك عن حمزة عن عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحق عن التميمي يعني أربدة عن ابن عباس Bهما به فإن قلت في الآيتين تعارض لأن الآية الأولى تقتضي اتحاد شرعة الأنبياء والثانية تقتضي أن لكل نبي شرعة قلت لا تعارض لأن الاتحاد في أصول الدين والتعدد في فروعه فعند اختلاف المحل لا يثبت التعارض .
( باب دعاؤكم إيمانكم ) .
يعني فسر ابن عباس قوله تعالى ( قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول فذكرت أن لا فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا قلت فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم ) فقال المراد من الدعاء الإيمان فمعنى دعاؤكم إيمانكم وأخرجه ابن المنذر بسنده إليه أنه قال لولا دعاؤكم لولا إيمانكم وقال ابن بطال لولا دعاؤكم الذي هو زيادة في إيمانكم قال النووي وهذا الذي قاله حسن لأن أصل الدعاء النداء والاستغاثة ففي الجامع سئل ثعلب عنه فقال هو النداء ويقال دعا الله فلان بدعوة فاستجاب له وقال ابن سيده هو الرغبة إلى الله تعالى دعاه دعاء ودعوى حكاها سيبويه وفي الغريبين الدعاء الغوث وقد دعا أي استغاث قال تعالى ( ادعوني أستجب لكم ) وقال بعض الشارحين قال البخاري ومعنى الدعاء في اللغة الإيمان ينبغي أن يثبت فيه فإني لم أره عند أحد من أهل اللغة وقال الكرماني تفسيره في الآيتين يدل على أنه قابل للزيادة والنقصان أو أنه سمى الدعاء إيمانا والدعاء عمل واعلم أن من قوله وقال ابن مسعود إلى هنا غير ظاهر الدلالة على الدعوى وهو موضع بحث ونظر وقال النووي اعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ثم دعا بكتاب رسول الله الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه بسم الله الرحم ن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولو اشهدوا بأنا مسلمون آل عمران قال أبو سفيان فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا فقلت لأصحابي حين أخرجنا لقد أمر أمر ابن أبي كبشة إنه يخافه ملك بني الأصفر فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام وكان ابن الناظور صاحب إيلياء وهرقل سقفا على نصارى الشأم يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوما خبيث النفس فقال بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك قال ابن الناظور وكان هرقل حزاء ينظر في كثير من نسخ البخاري هذا باب دعاؤكم إيمانكم إلى آخر الحديث بعده وهذا غلط فاحش وصوابه ما ذكرناه أولا وهو دعاؤكم إيمانكم ولا يصح إدخال باب هنا لوجوه منها أنه ليس له تعلق بما نحن فيه ومنها أنه ترجم أولا بقوله بني الإسلام ولم يذكره