عطاء بن أبي رباح عن عائشة Bها أن النبي كان يقصر في الصلاة ويتم ويفطر ويصوم وقال الدارقطني إسناده صحيح وقد رواه البيهقي عن طلحة بن عمرو ودلهم بن صالح والمغيرة بن زياد وثلاثتهم ضعفاء عن عطاء عن عائشة قال والصحيح عن عائشة موقوف .
والجواب عن الحديث الأول أنه حجة لنا لأنه أمر بالقبول فلا يبقى خيار الرد شرعا إذ الأمر للوجوب فإن قلت المتصدق عليه يكون مختارا في قبول الصدقة كما في المتصدق عليه من العباد قلت معنى قوله تصدق الله بها عليكم حكم عليكم لأن التصدق من الله فيما لا يحتمل التمليك يكون عبارة عن الإسقاط كالعفو من الله و الجواب عن الحديث الثاني أنه معارض بحديث آخر أخرجه البخاري ومسلم عن حفص بن عاصم عن ابن عمر قال صحبت رسول الله في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى وصحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى وقد قال الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ( الأحزاب 12 ) وإليه ذهب علماء أكثر السلف وفقهاء الأمصار أي إلى أن القصر واجب وهو قول عمر وعلي وابن عمر وجابر وابن عباس روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة وقال حماد بن أبي سليمان يعيد من صلى في السفر أربعا وعن مالك يعيد ما دام في الوقت وقال أحمد السنة ركعتان وقال مرة أخرى أنا أحب العافية من هذه المسألة وقال الخطابي والأولى أن يقصر المسافر الصلاة لأنهم أجمعوا على جوازها إذا قصر واختلفوا فيما إذا أتم والإجماع مقدم على الاختلاف وسقط بهذا كله ما قاله بعضهم ويدل على أنه أي القصر رخصة أيضا قوله E صدقة تصدق الله بها عليكم وقال أيضا احتج مخالفهم أي مخالف الحنفية بقوله تعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ( النساء 101 ) لأن القصر إنما يكون من شيء أطول منه .
قلت الجواب عنه أن المراد من القصر المذكور فيها هو القصر في الأوصاف من ترك القيام إلى القعود أو ترك الركوع والسجود إلى الإيماء لخوف العدو بدليل أنه علق ذلك بالخوف إذ قصر الأصل غير متعلق بالخوف بالإجماع بل متعلق بالسفر وعندنا قصر الأوصاف مباح لا واجب مع أن رفع الجناح في النص لدفع توهم النقصان في صلاتهم بسبب دوامهم على الإتمام في الحضر وذلك مظنة توهم النقصان فرفع ذلك عنهم وقال هذا القائل أيضا والزموا الحنفية على قاعدتهم فيما إذا عارض رأي الصحابي روايته فالعبرة بما روي بأنه ثبت عن عائشة أنها كانت تتم في السفر قلت قاعدة الحنفية على أصلها ولا يلزم من إتمام عائشة في السفر النقض على القاعدة لأن عائشة كانت ترى القصر جائزا والإتمام جائزا فأخذت بأحد الجائزين وإنما يرد على قاعدتنا ما ذكره أن لو كانت عائشة تمنع الإتمام وكذلك الجواب في إتمام عثمان رضي الله تعالى عنه وهذا هو الذي ذكره المحققون في تأويلهما وقيل لأن عثمان إمام المؤمنين وعائشة أمهم فكأنهما كانا في منازلهما وأبطل بأنه E كان أولى بذلك منهما وقيل لأن عثمان تأهل بمكة وأبطل بأنه سافر بأزواجه وقصر وقيل فعل ذلك من أجل الأعراب الذين حضروا معه لئلا يظنون أن فرض الصلاة ركعتان أبدا سفرا وحضرا وأبطل بأن هذا المعنى إنما كان موجودا في زمن النبي بل اشتهر أمر الصلاة في زمن عثمان أكثر مما كان وقيل لأن عثمان نوى الإقامة بمكة بعد الحج وأبطل بأن الإقامة بمكة حرام على المهاجر فوق ثلاث وقيل كان لعثمان أرض بمنى وأبطل بأن ذلك لا يقتضي الإتمام والإقامة .
2 - .
( باب وجوب الصلاة في الثياب ) .
أي هذا باب في بيان وجوب الصلاة في الثياب والمراد ستر العورة وقال أبو الوليد بن رشد في ( القواعد ) اتفق العلماء على أن ستر العورة فرض بإطلاق واختلفوا هل شرط من شروط صحة الصلاة أم لا وظاهر مذهب مالك أنها من سنن الصلاة مستدلا بحديث عمرو بن سلمة لما تقلصت بردته فقالت امرأة غطوا عنا أست قارئكم وعند بعضهم شرط عند الذكر دون النسيان وعند أبي حنيفة والشافعي وعامة الفقهاء وأهل الحديث أن ذلك شرط في صحة الصلاة فرضها ونفلها وإنما قال في الثياب بلفظ الجمع نحو قولهم فلان يركب الخيول ويلبس البرود .
ووجه المناسبة بين البابين من حيث إنه ذكر في الباب السابق فرضية الصلاة وذكر في هذا أن ذلك الفرض لا يقوم إلا بستر العورة لأنه فرض مثلها فإن قلت للصلاة شروط غير هذا فما وجه تخصيصه بالتقديم على غيره قلت لأنه ألزم من غيره وفي تركه بشاعة عظيمة بخلاف غيره من الشروط