عملكم انتهى وقوى صاحب الكشاف مذهبه بأن قوله وما تعملون ترجمة عن قوله قبلها ما تنحتون وما في قوله ما تنحتون موصولة اتفاقا فلا يعدل ما التي بعدها عن أختها وأطال في تقرير ذلك ومن جملته فان قلت ما أنكرت أن تكون ما مصدرية والمعنى خلقكم وخلق عملكم كما تقول المجبرة يعنى أهل السنة قلت أقرب ما يبطل به ان معنى الآية يأباه اباء جليا لأن الله احتج عليهم بأن العابد والمعبود جميعا خلق الله فكيف يعبد المخلوق مع ان العابد هو الذي عمل صورة المعبود ولولاه لما قدر أن يشكل نفسه فلو كان التقدير خلقكم وخلق عملكم لم يكن فيه حجة عليهم ثم قال فان قلت هي موصولة لكن التقدير والله خلقكم وما تعملونه من أعمالكم قلت ولو كان كذلك لم يكن فيها حجة على المشركين وتعقبه بن خليل السكوني فقال في كلامه صرف للآية عن دلالتها الحقيقة إلى ضرب من التأويل لغير ضرورة بل لنصرة مذهبه أن العباد يخلقون أكسابهم فإذا حملها على الأصنام لم تتناول الحركات وأما أهل السنة فيقولون القرآن نزل بلسان العرب وأئمة العربية على أن الفعل الوارد بعد ما يتأول بالمصدر نحو أعجبني ما صنعت أي صنعك وعلى هذا فمعنى الآية خلقكم وخلق أعمالكم والأعمال ليست هي جواهر الأصنام اتفاقا فمعنى الآية عندهم إذا كان الله خالق أعمالكم التي تتوهم القدرية أنهم خالقون لها فأولى أن يكون خالقا لما لم يدع فيه أحد الخلقية وهي الأصنام قال ومدار هذه المسألة على أن الحقيقة مقدمة على المجاز ولا أثر للمرجوح مع الراجح وذلك أن الخشب التي منها الأصنام والصور التي للأصنام ليست بعمل لنا وانما عملنا ما أقدرنا الله عليه من المعاني المكسوبة التي عليها ثواب العباد وعقابهم فإذا قلت عمل النجار السرير فالمعنى عمل حركات في محل أظهر الله لنا عندها التشكل في السرير فلما قال تعالى والله خلقكم وما تعملون وجب حمله على الحقيقة وهي معمولكم وأما ما يطالب به المعتزلي من الرد على المشركين من الآية فهو من أبين شيء لأنه تعالى إذا أخبر انه خلقنا وخلق أعمالنا التي يظهر بها التأثير بين أشكال الأصنام وغيرها فأولى أن يكون خالقا للمتأثر الذي لم يدع فيه أحد لا سني ولا معتزلي ودلالة الموافقة أقوى في لسان العرب وأبلغ من غيرها وقد وافق الزمخشري على ذلك في قوله تعالى فلا تقل لهما أف فإنه أدل على نفي الضرب من أن لو قال ولا تضربهما وقال انها من نكت علم البيان ثم غفل عنها اتباعا لهواه وأما ادعاؤه فك النظم فلا يلزم منه بطلان الحجة لأن فكه لما هو أبلغ سائغ بل أكمل لمراعاة البلاغة ثم قال ولم لا تكون الآية مخبرة عن أن كل عمل للعبد فهو خلق للرب فيندرج فيه الرد على المشركين مع مراعاة النظم ومن قيد الآية بعمل العبد دون عمل فعليه الدليل والأصل عدمه وبالله التوفيق وأجاب البيضاوي بأن دعوى أنها مصدرية أبلغ لأن فعلهم إذا كان بخلق الله تعالى فالمتوقف على فعلهم أولى بذلك ويترجح أيضا بأن غيره لا يخلو من حذف أو مجاز وهو سالم من ذلك والأصل عدمه وقال الطيبي وتكملة ذلك أن يقال تقرر عند علماء البيان أن الكناية أولى من التصريح فإذا نفى الحكم العام لينتفي الخاص كان أقوى في الحجة وقد سلك صاحب الكشاف هذا بعينه في تفسير قوله تعالى كيف تكفرون بالله الآية وقال بن المنير يتعين حمل ما على المصدرية لأنهم لم يعبدوا الأصنام من حيث هي حجارة أو خشب عارية عن الصورة بل عبدوها لأشكالها وهي أثر عملهم ولو عملوا نفس الجواهر لما طابق توبيخهم بأن المعبود من صنعة العابد قال والمخالفون موافقون أن جواهر الأصنام ليست عملا لهم فلو كان كما ادعوه لاحتاج إلى حذف أي والله خلقكم وما تعملون شكله وصورته والأصل عدم التقدير وقد جاء التصريح في الحديث الصحيح بمعنى الذي تقدمت الإشارة إليه في باب قوله كل يوم هو في شأن عن حذيفة رفعه أن الله خلق كل صانع وصنعته وقال غيره قول من ادعى أن المراد بقوله وما تعملون نفس العيدان والمعادن التي تعمل منها الأوثان باطل لأن أهل اللغة لا يقولون ان الإنسان يعمل العود أو الحجر بل يقيدون ذلك بالصنعة فيقولون عمل العود صنما والحجر وثنا فمعنى الآية أن الله خلق الإنسان وخلق شكل الصنم وأما الذي نحت أو صاغ فانما هو عمل النحت والصياغة وقد صرحت الآية بذلك والذي عمله هو الذي وقع التصريح بأن الله تعالى هو الذي خلقه وقال التونسي في مختصر تفسير الفخر الرازي احتج