لاحتمال ان يكون النبي صلى الله عليه وسلّم علم من حاله ما اغناه عن السؤال فيه وقد قال خصمه عنه انه فاجر لا يبالي ولا يتورع عن شيء ولم ينكر عليه ذلك ولو كان بريئا مما قال لبادر للانكار عليه بل في بعض طرق الحديث ما يدل على ان الغصب المدعى به وقع في الجاهلية ومثل ذلك تسمع الدعوى بيمينه فيه عندهم وفي الحديث أيضا ان يمين الفاجر تسقط عنه الدعوى وان فجوره في دينه لا يوجب الحجر عليه ولا ابطال اقراره ولولا ذلك لم يكن لليمين معنى وان المدعى عليه ان أقر ان أصل المدعي لغيره لا يكلف لبيان وجه مصيره إليه ما لم يعلم إنكاره لذلك يعني تسليم المطلوب له ما قال قال وفيه ان من جاء بالبينة قضى له بحقه من غير يمين لأنه محال ان يسأله عن البينة دون ما يجب له الحكم به ولو كانت اليمين من تمام الحكم له لقال له بينتك ويمينك على صدقها وتعقب بأنه لا يلزم من كونه لا يحلف مع بينته على صدقها فيما شهدت ان الحكم له لا يتوقف بعد البينة على حلفه بأنه ما خرج عن ملكه ولا وهبه مثلا وأنه يستحق قبضه فهذا وان كان لم يذكر في الحديث فليس في الحديث ما ينفيه بل فيه ما يشعر بالاستغناء عن ذكر ذلك لان في بعض طرقه ان الخصم اعترف وسلم المدعى به للمدعى فأغنى ذلك عن طلبه يمينه والغرض ان المدعى ذكر انه لا بينة له فلم تكن اليمين الا في جانب المدعى عليه فقط وقال القاضي عياض وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا البداءة بالسماع من الطالب ثم من المطلوب هل يقر أو ينكر ثم طلب البينة من الطالب ان انكر المطلوب ثم توجيه اليمين على المطلوب إذا لم يجد الطالب البينة وان الطالب إذا ادعى ان المدعى به في يد المطلوب فاعترف استغنى عن إقامة البينة بأن يد المطلوب عليه قال وذهب بعض العلماء إلى ان كل ما يجري بين المتداعيين من تساب بخيانة وفجور هدر لهذا الحديث وفيه نظر لأنه انما نسبه إلى الغصب في الجاهلية والى الفجور وعدم التوقي في الإيمان في حال اليهودية فلا يطرد ذلك في حق كل أحد وفيه موعظة الحاكم المطلوب إذا أراد ان يحلف خوفا من ان يحلف باطلا فيرجع إلى الحق بالموعظة واستدل به القاضي أبو بكر بن الطيب في سؤال أحد المتناظرين صاحبه عن مذهبه فيقول له الك دليل على ذلك فان قال نعم سأله عنه ولا يقول له ابتداء ما دليلك على ذلك ووجه الدلالة انه صلى الله عليه وسلّم قال للطالب الك بينة ولم يقل له قرب بينتك وفيه إشارة إلى ان لليمين مكانا يختص به لقوله في بعض طرقه فانطلق ليحلف وقد عهد في عهده صلى الله عليه وسلّم الحلف عند منبره وبذلك احتج الخطابي فقال كانت المحاكمة والنبي صلى الله عليه وسلّم في المسجد فانطلق المطلوب ليحلف فلم يكن انطلاقه الا إلى المنبر لأنه كان في المسجد فلا بد ان يكون انطلاقه إلى موضع أخص منه وفيه ان الحالف يحلف قائما لقوله فلما قام ليحلف وفيه نظر لان المراد بقوله قام ما تقدم من قوله انطلق ليحلف واستدل به الشافعي أن من اسلم وبيده مال لغيره انه يرجع إلى مالكه إذا أثبته وعن المالكية اختصاصه بما إذا كان المال لكافر واما إذا كان لمسلم وأسلم عليه الذي هو بيده فإنه يقر بيده والحديث حجة عليهم وقال بن المنير في الحاشية يستفاد منه ان الآية المذكورة في هذا الحديث نزلت في نقض العهد وان اليمين الغموس لا كفارة فيها لان نقض العهد لا كفارة فيه كذا قال وغايته انها دلالة اقتران وقال النووي يدخل في قوله من اقتطع حق امرئ مسلم من حلف على غير مال كجلد الميتة والسرجين وغيرهما مما ينتفع به وكذا سائر الحقوق كنصيب الزوجة بالقسم واما التقييد بالمسلم فلا يدل على عدم تحريم حق الذمي بل هو حرام أيضا لكن لا يلزم ان يكون فيه هذه العقوبة العظيمة وهو تأويل حسن لكن ليس في الحديث المذكور دلالة على تحريم حق الذمي بل ثبت بدليل اخر والحاصل ان المسلم والذمي