اولهم الأعمش وهو من صغار التابعين وعمارة من اوساطهم والحارث من كبارهم قوله حديثين أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلّم والاخر عن نفسه قال إن المؤمن فذكره إلى قوله فوق انفه ثم قال لله افرح بتوبة عبده هكذا وقع في هذه الرواية غير مصرح برفع أحد الحديثين إلى النبي صلى الله عليه وسلّم قال النووي قالوا المرفوع لله افرح الخ والأول قول بن مسعود وكذا جزم بن بطال بأن الأول هو الموقوف والثاني هو المرفوع وهو كذلك ولم يقف بن التين على تحقيق ذلك فقال أحد الحديثين عن بن مسعود والاخر عن النبي صلى الله عليه وسلّم فلم يزد في الشرح على الأصل شيئا وأغرب الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في مختصره فأفرد أحد الحديثين من الاخر وعبر في كل منهما بقوله عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلّم وليس ذلك في شيء من نسخ البخاري ولا التصريح برفع الحديث الأول إلى النبي صلى الله عليه وسلّم في شيء من نسخ كتب الحديث الا ما قرأت في شرح مغلطاي انه روى مرفوعا من طريق وهاها أبو احمد الجرجاني يعني بن عدي وقد وقع بيان ذلك في الرواية المعلقة وكذا وقع البيان في رواية مسلم مع كونه لم يسق حديث بن مسعود الموقوف ولفظه من طريق جرير عن الأعمش عن عمارة عن الحارث قال دخلت على بن مسعود اعوده وهو مريض فحدثنا بحديثين حديثا عن نفسه وحديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول لله أشد فرحا الحديث قوله ان المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف ان يقع عليه قال بن أبي جمرة السبب في ذلك ان قلب المؤمن منور فإذا رأى من نفسه ما يخالف ما ينور به قلبه عظم الأمر عليه والحكمة في التمثيل بالجبل ان غيره من المهلكات قد يحصل التسبب إلى النجاة منه بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه عادة وحاصله ان المؤمن يغلب عليه الخوف لقوة ما عنده من الإيمان فلا يأمن العقوبة بسببها وهذا شأن المسلم انه دائم الخوف والمراقبة يستصغر عمله الصالح ويخشى من صغير عمله السيء قوله وان الفاجر يرى ذنوبه كذباب في رواية أبي الربيع الزهراني عن أبي شهاب عند الإسماعيلي يرى ذنوبه كأنها ذباب مر على انفه أي ذنبه سهل عنده لا يعتقد انه يحصل له بسببه كبير ضرر كما ان ضرر الذباب عنده سهل وكذا دفعه عنه والذباب بضم المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة بينهما الف جمع ذبابة وهي الطير المعروف قوله فقال به هكذا أي نحاه بيده أو دفعه هو من إطلاق القول على الفعل قالوا وهو ابلغ قوله قال أبو شهاب هو موصول بالسند المذكور قوله بيده على انفه هو تفسير منه لقوله فقال به قال المحب الطبري انما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من الله ومن عقوبته لأنه على يقين من الذنب وليس على يقين من المغفرة والفاجر قليل المعرفة بالله فلذلك قل خوفه واستهان بالمعصية وقال بن أبي جمرة السبب في ذلك ان قلب الفاجر مظلم فوقوع الذنب خفيف عنده ولهذا تجد من يقع في المعصية إذا وعظ يقول هذا سهل قال ويستفاد من الحديث ان قلة خوف المؤمن ذنوبه وخفته عليه يدل على فجوره قال والحكمة في تشبيه ذنوب الفاجر بالذباب كون الذباب اخف الطير واحقره وهو مما يعاين ويدفع بأقل الأشياء قال وفي ذكر الأنف مبالغة في اعتقاده خفة الذنب عنده لان الذباب قلما ينزل على الأنف وانما يقصد غالبا العين قال وفي اشارته بيده تأكيد للخفة أيضا لأنه بهذا القدر اليسير يدفع ضرره قال وفي الحديث ضرب المثل بما يمكن وارشاد إلى الحض على محاسبة النفس واعتبار العلامات الدالة على بقاء نعمة الإيمان وفيه ان الفجور أمر قلبي كالإيمان وفيه دليل لأهل السنة لأنهم لا يكفرون بالذنوب ورد على الخوارج وغيرهم ممن يكفر بالذنوب