مع شدة حرص أبي بكر على تلقي القرآن من النبي صلى الله عليه وسلّم وفراغ باله له وهما بمكة وكثرة ملازمة كل منهما للآخر حتى قالت عائشة كما تقدم في الهجرة أنه صلى الله عليه وسلّم كان يأتيهم بكرة وعشية وقد صحح مسلم حديث يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وتقدمت الإشارة إليه وتقدم أنه صلى الله عليه وسلّم أمر أبا بكر أن يؤم في مكانه لما مرض فيدل على أنه كان أقرأهم وتقدم عن علي أنه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي صلى الله عليه وسلّم وأخرج النسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر قال جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة فبلغ النبي صلى الله عليه وسلّم فقال اقرأه في شهر الحديث واصله في الصحيح وتقدم في الحديث الذي مضى ذكر بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وكل هؤلاء من المهاجرين وقد ذكر أبو عبيد القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم فعد من المهاجرين الخلفاء الأربعة وطلحة وسعدا وبن مسعود وحذيفة وسالما وأبا هريرة وعبد الله بن السائب والعبادلة ومن النساء عائشة وحفصة وأم سلمة ولكن بعض هؤلاء إنما أكمله بعد النبي صلى الله عليه وسلّم فلا يرد على الحصر المذكور في حديث أنس وعد بن أبي داود في كتاب الشريعة من المهاجرين أيضا تميم بن أوس الداري وعقبة بن عامر ومن الأنصار عبادة بن الصامت ومعاذا الذي يكنى أبا حليمة ومجمع بن حارثة وفضالة بن عبيد ومسلمة بن مخلد وغيرهم وصرح بأن بعضهم إنما جمعه بعد النبي صلى الله عليه وسلّم وممن جمعه أيضا أبو موسى الأشعري ذكره أبو عمرو الداني وعد بعض المتأخرين من القراء عمرو بن العاص وسعد بن عباد وأم ورقة قوله تابعه الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن ثمامة عن أنس هذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن الفضل بن موسى به ثم أخرجه المصنف من طريق عبد الله بن المثنى حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس قال مات النبي صلى الله عليه وسلّم ولم يجمع القرآن غير أربعة فذكر الحديث فخالف رواية قتادة من وجهين أحدهما التصريح بصيغة الحصر في الأربعة ثانيهما ذكر أبي الدرداء بدل أبي بن كعب فأما الأول فقد تقدم الجواب عنه من عدة أوجه وقد استنكره جماعة من الأئمة قال المازري لا يلزم من قول أنس لم يجمعه غيرهم أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه وإلا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلاد وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على انفراده وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم وهذا في غاية البعد في العادة وإذا كان المرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك قال وقد تمسك بقول أنس هذا جماعة من الملاحدة ولا متمسك لهم فيه فإنا لا نسلم حمله على ظاهره سلمناه ولكن من أين لهم أن الواقع في نفس الأمر كذلك سلمناه لكن لا يلزم من كون كل واحد من الجم الغفير لم يحفظه كله أن لا يكون حفظ مجموعه الجم الغفير وليس من شرط التواتر أن يحفظ كل فرد جميعه بل إذا حفظ الكل الكل ولو على التوزيع كفى واستدل القرطبي على ذلك ببعض ما تقدم من أنه قتل يوم اليمامة سبعون من القراء وقتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم ببئر معونة مثل هذا العدد قال وإنما خص أنس الأربعة بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم أو لكونهم كانوا في ذهنه دون غيرهم وأما الوجه الثاني من المخالفة فقال الإسماعيلي هذان الحديثان مختلفان ولا يجوزان في الصحيح مع تباينهما بل الصحيح أحدهما وجزم البيهقي بأن ذكر أبي الدرداء وهم والصواب أبي بن كعب وقال الداودي لا أرى ذكر أبي الدرداء محفوظا قلت وقد أشار البخاري إلى عدم الترجيح باستواء الطرفين فطريق قتادة على شرطه وقد وافقه عليها ثمامة في إحدى الروايتين عنه وطريق ثابت أيضا على شرطه وقد وافقه عليها أيضا ثمامة في الرواية الأخرى لكن مخرج الرواية عن ثابت وثمامة بموافقته