أن بن مسعود قال لو أعلم أحدا تبلغنيه الإبل أحدث عهدا بالعرضة الآخيرة مني لأتيته أو قال لتكلفت أن آتيه وكأنه احترز بقوله تبلغنيه الإبل عمن لا يصل إليه على الرواحل إما لكونه كان لا يركب البحر فقيد بالبر أو لأنه كان جازما بأنه لا أحد يفوقه في ذلك من البشر فاحترز عن سكان السماء وفي الحديث جواز ذكر الإنسان نفسه بما فيه من الفضيلة بقدر الحاجة ويحمل ما ورد من ذم ذلك على من وقع ذلك منه فخرا أو إعجابا الحديث الخامس حديث أنس ذكره من وجهين .
4717 - قوله سألت أنس بن مالك من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلّم قال أربعة كلهم من الأنصار في رواية الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في أول الحديث افتخر الحيان الأوس والخزرج فقال الأوس منا أربعة من اهتز له العرش سعد بن معاذ ومن عدلت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن ثابت ومن غسلته الملائكة حنظلة بن أبي عامر ومن حمته الدبر عاصم بن ثابت فقال الخزرج منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم فذكرهم قوله وأبو زيد تقدم في مناقب زيد بن ثابت من طريق شعبة عن قتادة قلت لأنس من أبو زيد قال أحد عمومتي وتقدم بيان الاختلاف في اسم أبي زيد هناك وجوزت هناك أن لا يكون لقول أنس أربعة مفهوم لكن رواية سعيد التي ذكرتها الآن من عند الطبري صريحة في الحصر وسعيد ثبت في قتادة ويحتمل مع ذلك أن مراد أنس لم يجمعه غيرهم أي من الأوس بقرينة المفاخرة المذكورة ولم يرد نفي ذلك عن المهاجرين ثم في رواية سعيد أن ذلك من قول الخزرج ولم يفصح باسم قائل ذلك لكن لما أورده أنس ولم يتعقبه كان كأنه قائل به ولا سيما وهو من الخزرج وقد أجاب القاضي أبو بكر الباقلاني وغيره عن حديث أنس هذا بأجوبة أحدها أنه لا مفهوم له فلا يلزم أن لا يكون غيرهم جمعة ثانيها المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراآت التي نزل بها إلا أولئك ثالثها لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته وما لم ينسخ إلا أولئك وهو قريب من الثاني رابعها أن المراد بجمعه تلقيه من في رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا بواسطة بخلاف غيرهم فيحتمل أن يكون تلقى بعضه بالواسطة خامسها أنهم تصدوا لإلقائه وتعليمه فاشتهروا به وخفي حال غيرهم عمن عرف حالهم فحصر ذلك فيهم بحسب علمه وليس الأمر في نفس الأمر كذلك أو يكون السبب في خفائهم أنهم خافوا غائلة الرياء والعجب وأمن ذلك من أظهره سادسها المراد المراد بالجمع الكتابة فلا ينفى أن يكون غيرهم جمعه حفظا عن ظهر قلب وأما هؤلاء فجمعوه كتابة وحفظوه عن ظهر قلب سابعها المراد أن أحدا لم يفصح بأنه جمعه بمعنى أكمل حفظه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا أولئك بخلاف غيرهم فلم يفصح بذلك لأن أحدا منهم لم يكمله إلا عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين نزلت آخر آية منه فلعل هذه الآية الأخيرة وما أشبهها ما حضرها إلا أولئك الأربعة ممن جمع جميع القرآن قبلها وإن كان قد حضرها من لم يجمع غيرها الجمع البين ثامنها أن المراد بجمعه السمع والطاعة له والعمل بموجبه وقد أخرج أحمد في الزهد من طريق أبي الزاهرية أن رجلا أتى أبا الدرداء فقال إن ابني جمع القرآن فقال اللهم غفرا إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع وفي غالب هذه الاحتمالات تكلف ولا سيما الأخير وقد أومأت قبل هذا إلى احتمال آخر وهو أن المراد اثبات ذلك للخزرج دون الأوس فقط فلا ينفى ذلك عن غير القبيلتين من المهاجرين ومن جاء بعدهم ويحتمل أن يقال إنما اقتصر عليهم أنس لتعلق غرضه بهم ولا يخفى بعده والذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقد تقدم في المبعث أنه بنى مسجدا بفناء داره فكان يقرأ فيه القرآن وهو محمول على ما كان نزل منه إذ ذاك وهذا مما لا يرتاب فيه