يقارنها ما ينقلها من الوجوب فكأنه ظهرت منه قرينة دلت على أن الأمر ليس على التحتم بل على الاختيار فاختلف اجتهادهم وصمم عمر علىالامتناع لما قام عنده من القرائن بأنه صلى الله عليه وسلّم قال ذلك عن غير قصد جازم وعزمه صلى الله عليه وسلّم كان إما بالوحي وإما بالاجتهاد وكذلك تركه إن كان بالوحي فبالوحي وإلا فبالاجتهاد أيضا وفيه حجة لمن قال بالرجوع إلى الاجتهاد في الشرعيات وقال النووي اتفق قول العلماء على أن قول عمر حسبنا كتاب الله من قوة فقهه ودقيق نظره لأنه خشي أن يكتب أمورا ربما عجزوا عنها فاستحقوا العقوبة لكونها منصوصة وأراد أن لا ينسد باب الاجتهاد على العلماء وفي تركه صلى الله عليه وسلّم الإنكار على عمر إشارة إلى تصويبه رأيه وأشار بقوله حسبنا كتاب الله إلى قوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء ويحتمل أن يكون قصد التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما رأى ما هو فيه من شدة الكرب وقامت عنده قرينة بأن الذي أراد كتابته ليس مما لا يستغنون عنه إذ لو كان من هذا القبيل لم يتركه صلى الله عليه وسلّم لأجل اختلافهم ولا يعارض ذلك قول بن عباس إن الرزية الخ لأن عمر كان أفقه منه قطعا وقال الخطابي لم يتوهم عمر الغلط فيما كان النبي صلى الله عليه وسلّم يريد كتابته بل امتناعه محمول على أنه لما رأى ما هو فيه من الكرب وحضور الموت خشي أن يجد المنافقون سبيلا إلى الطعن فيما يكتبه وإلى حمله على تلك الحالة التي جرت العادة فيها بوقوع بعض ما يخالف الاتفاق فكان ذلك سبب توقف عمر لا أنه تعمد مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلّم ولا جواز وقوع الغلط عليه حاشا وكلا وقد تقدم شرح حديث بن عباس في أواخر كتاب العلم وقوله وقد ذهبوا يردون عنه يحتمل أن يكون المراد يردون عليه أي يعيدون عليه مقالته ويستثبتونه فيها ويحتمل أن يكون المراد يردون عنه القول المذكور على من قاله قوله فقال دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه قال بن الجوزي وغيره يحتمل أن يكون المعنى دعوني فالذي أعاينه من كرامة الله التي أعدها لي بعد فراق الدنيا خير مما أنا فيه في الحياة أو أن الذي أنا فيه من المراقبة والتأهب للقاء الله والتفكر في ذلك ونحوه أفضل من الذي تسألونني فيه من المباحثة عن المصلحة في الكتابة أو عدمها ويحتمل أن يكون المعنى فإن امتناعي من أن أكتب لكم خير مما تدعونني إليه من الكتابة قلت ويحتمل عكسه أي الذي أشرت عليكم به من الكتابة خير مما تدعونني إليه من عدمها بل هذا هو الظاهر وعلى الذي قبله كان ذلك الأمر اختبارا وامتحانا فهدى الله عمر لمراده وخفي ذلك على غيره وأما قول بن بطال عمر أفقه من بن عباس حيث اكتفى بالقرآن ولم يكتف بن عباس به وتعقب بأن إطلاق ذلك مع ما تقدم ليس بجيد فإن قول عمر حسبنا كتاب الله لم يرد أنه يكتفى به عن بيان السنة بل لما قام عنده من القرينة وخشى من الذي يترتب على كتابة الكتاب مما تقدمت الإشارة إليه فرأى أن الاعتماد على القرآن لا يترتب عليه شيء مما خشيه وأما بن عباس فلا يقال في حقه لم يكتف بالقرآن مع كونه حبر القرآن وأعلم الناس بتفسيره وتأويله ولكنه أسف على ما فاته من البيان بالتنصيص عليه لكونه أولى من الاستنباط والله أعلم وسيأتي في كفارة المرض في هذا الحديث زيادة لابن عباس وشرحها إن شاء الله تعالى قوله وأوصاهم بثلاث أي في تلك الحالة وهذا يدل على أن الذي أراد أن يكتبه لم يكن أمرا متحتما لأنه لو كان مما أمر بتبليغه لم يكن يتركه لوقوع اختلافهم ولعاقب الله من حال بينه وبين تبليغه ولبلغه لهم لفظا كما أوصاهم بإخراج المشركين وغير ذلك وقد عاش بعد هذه المقالة أياما وحفظوا عنه أشياء لفظا فيحتمل أن يكون مجموعها ما أراد أن يكتبه والله أعلم وجزيرة العرب تقدم بيانها في كتاب الجهاد وقوله أجيزوا