الحصين هذه الأحاديث تدل على أن هذه الواقعة كانت في حجة الوداع قال وهو الصحيح المشهور وقيل كان في الحديبية وجزم بأن ذلك كان في الحديبية إمام الحرمين في النهاية ثم قال النووي لا يبعد أن يكون وقع في الموضعين انتهى وقال عياض كان في الموضعين ولذا قال بن دقيق العيد أنه الأقرب قلت بل هو المتعين لتظاهر الروايات بذلك في الموضعين كما قدمناه إلا أن السبب في الموضعين مختلف فالذي في الحديبية كان بسبب توقف من توقف من الصحابة عن الإحلال لما دخل عليهم من الحزن لكونهم منعوا من الوصول إلى البيت مع اقتدارهم في أنفسهم على ذلك فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلّم وصالح قريشا على أن يرجع من العام المقبل والقصة مشهورة كما ستأتي في مكانها فلما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلّم بالإحلال توقفوا فأشارت أم سلمة أن يحل هو صلى الله عليه وسلّم قبلهم ففعل فتبعوه فحلق بعضهم وقصر بعض وكان من بادر إلى الحلق أسرع إلى امتثال الأمر ممن اقتصر على التقصير وقد وقع التصريح بهذا السبب في حديث بن عباس المشار إليه قبل فإن في آخره عند بن ماجة وغيره أنهم قالوا يا رسول الله ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالرحمة قال لأنهم لم يشكوا وأما السبب في تكرير الدعاء للمحلقين في حجة الوداع فقال بن الأثير في النهاية كان أكثر من حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يسق الهدي فلما أمرهم أن يفسخوا الحج إلى العمرة ثم يتحللوا منها ويحلقوا رؤوسهم شق عليهم ثم لما لم يكن لهم بد من الطاعة كان التقصير في أنفسهم أخف من الحلق ففعله أكثرهم فرجح النبي صلى الله عليه وسلّم فعل من حلق لكونه أبين في امتثال الأمر انتهى وفيما قاله نظر وإن تابعه عليه غير واحد لأن المتمتع يستحب في حقه أن يقصر في العمرة ويحلق في الحج إذا كان ما بين النسكين متقاربا وقد كان ذلك في حقهم كذلك والأولى ما قاله الخطابي وغيره إن عادة العرب أنها كانت تحب توفير الشعر والتزين به وكان الحلق فيهم قليلا وربما كانوا يرونه من الشهرة ومن زى الأعاجم فلذلك كرهوا الحلق واقتصروا على التقصير وفي حديث الباب من الفوائد أن التقصير يجزئ عن الحلق وهو مجمع عليه إلا ما روي عن الحسن البصري أن الحلق يتعين في أول حجة حكاه بن المنذر بصيغة التمريض وقد ثبت عن الحسن خلافه قال بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى عن هشام عن الحسن في الذي لم يحج قط فإن شاء حلق وإن شاء قصر نعم روى بن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال إذا حج الرجل أول حجة حلق فإن حج أخرى فإن شاء حلق وإن شاء قصر ثم روى عنه أنه قال كانوا يحبون أن يحلقوا في أول حجة وأول عمرة انتهى وهذا يدل على أن ذلك للاستحباب لا للزوم نعم عند المالكية والحنابلة أن محل تعيين الحلق والتقصير أن لا يكون المحرم لبد شعره أو ضفره أو عقصه وهو قول الثوري والشافعي في القديم والجمهور وقال في الجديد وفاقا للحنفية لا يتعين إلا إن نذره أو كان شعره خفيفا لا يمكن تقصيره أو لم يكن له شعر فيمر الموسي على رأسه وأغرب الخطابي فاستدل بهذا الحديث لتعين الحلق لمن لبد ولا حجة فيه وفيه أن الحلق أفضل من التقصير ووجهه أنه أبلغ في العبادة وأبين للخضوع والذلة وأدل على صدق النية والذي يقصر يبقي على نفسه شيئا مما يتزين به بخلاف الحالق فإنه يشعر بأنه ترك ذلك لله تعالى وفيه إشارة إلى التجرد ومن ثم استحب الصلحاء إلقاء الشعور عند التوبة والله أعلم وأما قول النووي تبعا لغيره في تعليل ذلك بأن المقصر يبقي على نفسه الشعر الذي هو زينة والحاج مأمور بترك الزينة بل هو أشعث أغبر ففيه نظر لأن الحلق إنما يقع بعد انقضاء زمن الأمر بالتقشف فإنه يحل له عقبه كل شيء إلا النساء في الحج خاصة واستدل بقوله المحلقين على مشروعية حلق جميع الرأس لأنه الذي تقتضيه الصيغة وقال بوجوب حلق جميعه مالك وأحمد