من طريق عبد الله بن سوادة القشيري عن رجل عن أبيه مرفوعا لا تقبل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن وقد أخرج بن خزيمة عن محمد بن الوليد القرشي عن سفيان حديث الباب بلفظ لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فلا يمتنع أن يقال إن قوله لا صلاة نفى بمعنى النهي أي لا تصلوا إلا بقراءة فاتحة الكتاب ونظيره ما رواه مسلم من طريق القاسم عن عائشة مرفوعا لا صلاة بحضرة الطعام فإنه في صحيح بن حبان بلفظ لا يصلي أحدكم بحضرة الطعام أخرجه مسلم من طريق حاتم بن إسماعيل وغيره عن يعقوب بن مجاهد عن القاسم وبن حبان من طريق حسين بن على وغيره عن يعقوب به وأخرج له بن حبان أيضا شاهدا من حديث أبي هريرة بهذا اللفظ وقد قال بوجوب قراءة الفاتحة في الصلاة الحنفية لكن بنوا على قاعدتهم أنها مع الوجوب ليست شرطا في صحة الصلاة لأن وجوبها إنما ثبت بالسنة والذي لا تتم الصلاة إلا به فرض والفرض عندهم لا يثبت بما يزيد على القرآن وقد قال تعالى فاقرؤوا ما تيسر من القرآن فالفرض قراءة ما تيسر وتعيين الفاتحة إنما ثبت بالحديث فيكون واجبا يأثم من يتركه وتجزئ الصلاة بدونه وإذا تقرر ذلك لا ينقضي عجبي ممن يتعمد ترك قراءة الفاتحة منهم وترك الطمأنينة فيصلى صلاة يريد أن يتقرب بها إلى الله تعالى وهو يتعمد ارتكاب الإثم فيها مبالغة في تحقيق مخالفته لمذهب غيره واستدل به على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة بناء على أن الركعة الواحدة تسمى صلاة لو تجردت وفيه نظر لأن قراءتها في ركعة واحدة من الرباعية مثلا يقتضى حصول اسم قراءتها في تلك الصلاة والأصل عدم وجوب الزيادة على المرة الواحدة والأصل أيضا عدم إطلاق الكل على البعض لأن الظهر مثلا كلها صلاة واحدة حقيقة كما صرح به في حديث الإسراء حيث سمى المكتوبات خمسا وكذا حديث عبادة خمس صلوات كتبهن الله على العباد وغير ذلك فاطلاق الصلاة على ركعة منها يكون مجازا قال الشيخ تقى الدين وغاية ما في هذا البحث أن يكون في الحديث دلالة مفهوم على صحة الصلاة بقراءة الفاتحة في كل ركعة واحدة منها فإن دل دليل خارج منطوق على وجوبها في كل ركعة كان مقدما انتهى وقال بمقتضى هذا البحث الحسن البصري رواه عنه بن المنذر بإسناد صحيح ودليل الجمهور قوله صلى الله عليه وسلّم وافعل ذلك في صلاتك كلها بعد أن أمره بالقراءة وفي رواية لأحمد وبن حبان ثم أفعل ذلك في كل ركعة ولعل هذا هو السر في إيراد البخاري له عقب حديث عبادة واستدل به على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم سواء أسر الإمام أم جهر لأن صلاته صلاة حقيقة فتنتفى عند انتفاء القراءة إلا إن جاء دليل يقتضى تخصيص صلاة المأموم من هذا العموم فيقدم قاله الشيخ تقى الدين واستدل من أسقطها عن المأموم مطلقا كالحنفية بحديث من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة لكنه حديث ضعيف عند الحفاظ وقد استوعب طرقه وعلله الدارقطني وغيره واستدل من أسقطها عنه في الجهرية كالمالكية بحديث وإذا قرأ فأنصتوا وهو حديث صحيح أخرجه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري ولا دلالة فيه لإمكان الجمع بين الأمرين فينصت فيما عدا الفاتحة أو ينصت إذا قرأ الإمام ويقرأ إذا سكت وعلى هذا فيتعين على الإمام السكوت في الجهرية ليقرأ المأموم لئلا يوقعه في ارتكاب النهى حيث لا ينصت إذا قرأ الإمام وقد ثبت الإذن بقراءة المأموم الفاتحة في الجهرية بغير قيد وذلك فيما أخرجه البخاري في جزء القراءة والترمذي وبن حبان وغيرهما من رواية مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلّم ثقلت عليه القراءة في الفجر فلما فرغ قال لعلكم تقرؤون خلف إمامكم قلنا نعم قال فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها والظاهر أن حديث الباب مختصر