مسلم من طريق الأوزاعي عن قتادة بلفظ لم يكونوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم وقد قدح بعضهم في صحته بكون الأوزاعي رواه عن قتادة مكاتبة وفيه نظر فإن الأوزاعي لم ينفرد به فقد رواه أبو يعلى عن أحمد الدورقي والسراج عن يعقوب الدورقي وعبد الله بن أحمد بن عبد الله السلمي ثلاثتهم عن أبي داود الطيالسي عن شعبة بلفظ فلم يكونوا يفتتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم قال شعبة قلت لقتادة سمعته من أنس قال نحن سألناه لكن هذا النفي محمول على ما قدمناه أن المراد أنه لم يسمع منهم البسملة فيحتمل أن يكونوا يقرءونها سرا ويؤيده رواية من رواه عنه بلفظ فلم يكونوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم كذا رواه سعيد بن أبي عروبة عند النسائي وبن حبان وهمام عند الدارقطني وشيبان عند الطحاوي وبن حبان وشعبة أيضا من طريق وكيع عنه عند أحمد أربعتهم عن قتادة ولا يقال هذا اضطراب من قتادة لأنا نقول قد رواه جماعة من أصحاب أنس عنه كذلك فرواه البخاري في جزء القراءة والسراج وأبو عوانة في صحيحه من طريق إسحاق بن أبي طلحة والسراج من طريق ثابت البناني والبخاري فيه من طريق مالك بن دينار كلهم عن أنس باللفظ الأول ورواه الطبراني في الأوسط من طريق إسحاق أيضا وبن خزيمة من طريق ثابت أيضا والنسائي من طريق منصور بن زاذان وبن حبان من طريق أبي قلابة والطبراني من طريق أبي نعامة كلهم عن أنس باللفظ النافى للجهر فطريق الجمع بين هذه الألفاظ حمل نفى القراءة على نفى السماع ونفى السماع على نفى الجهر ويؤيده أن لفظ رواية منصور بن زاذان فلم يسمعنا قراءة بسم الله الرحمن الرحيم وأصرح من ذلك رواية الحسن عن أنس عند بن خزيمة بلفظ كانوا يسرون بسم الله الرحمن الرحيم فاندفع بهذا تعليل من أعله بالاضطراب كابن عبد البر لأن الجمع إذا أمكن تعين المصير إليه وأما من قدح في صحته بأن أبا سلمة سعيد بن يزيد سأل أنسا عن هذه المسألة فقال إنك لتسألنى عن شيء ما أحفظه ولا سألني عنه أحد قبلك ودعوى أبي شامة أن أنسا سئل عن ذلك سؤالين فسؤال أبي سلمة هل كان الافتتاح بالبسملة أو الحمدلة وسؤال قتادة هل كان يبدأ بالفاتحة أو غيرها قال ويدل عليه قول قتادة في صحيح مسلم نحن سألناه انتهى فليس بجيد لأن أحمد روى في مسنده بإسناد الصحيحين أن سؤال قتادة نظير سؤال أبي سلمة والذي في مسلم إنما قاله عقب رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة ولم يبين مسلم صورة المسألة وقد بينها أبو يعلى والسراج وعبد الله بن أحمد في رواياتهم التي ذكرناها عن أبي داود أن السؤال كان عن افتتاح القراءة بالبسملة وأصرح من ذلك رواية بن المنذر من طريق أبي جابر عن شعبة عن قتادة قال سألت أنسا أيقرأ الرجل في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فقال صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأبي بكر وعمر فلم أسمع أحدا منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم فظهر اتحاد سؤال أبي سلمة وقتادة وغايته أن أنسا أجاب قتادة بالحكم دون أبي سلمة فلعله تذكره لما سأله قتادة بدليل قوله في رواية أبي سلمة ما سألني عنه أحد قبلك أو قاله لهما معا فحفظه قتادة دون أبي سلمة فإن قتادة أحفظ من أبي سلمة بلا نزاع وإذا انتهى البحث إلى أن محصل حديث أنس نفى الجهر بالبسملة على ما ظهر من طريق الجمع بين مختلف الروايات عنه فمتى وجدت رواية فيها إثبات الجهر قدمت على نفيه لا لمجرد تقديم رواية المثبت على النافى لأن أنسا يبعد جدا أن يصحب النبي صلى الله عليه وسلّم مدة عشر سنين ثم يصحب أبا بكر وعمر وعثمان خمسا وعشرين سنة فلم يسمع منهم الجهر بها في صلاة واحدة بل لكون أنس اعترف بأنه لا يحفظ هذا الحكم كأنه لبعد عهده به ثم تذكر منه الجزم بالافتتاح بالحمد جهرا ولم يستحضر الجهر بالبسملة فيتعين