فظاهر هذه الرواية يدل على أن جابرا استند في كلامه على أن أول ما نزل من القرآن هو المدثر إلى ما سمعه من رسول الله وهو يحدث عن فترة الوحي وكأنه لم يسمع بما حدث به رسول الله عن الوحي قبل فترته من نزول الملك على الرسول في حراء بصدر سورة اقرأ كما روت عائشة فاقتصر في إخباره على ما سمع ظانا أنه ليس هناك غيره اجتهادا منه غير أنه أخطأ في اجتهاده بشهادة الأدلة السابقة في القول الأول ومعلوم أن النص يقدم على الاجتهاد وأن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال فبطل إذا القول الثاني وثبت الأول .
القول الثالث .
أن أول ما نزل هو سورة الفاتحة .
وقد استدل أصحاب هذا الرأي بما رواه البيهقي في الدلائل بسنده عن ميسرة عمر بن شرحبيل أن رسول الله قال لخديجة إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء فقد والله خشيت على نفسي أن يكون هذا أمرا .
قالت معاذ الله ما كان الله ليفعل بك إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث .
فلما دخل أبو بكر ذكرت خديجة حديثه له وقالت اذهب مع محمد إلى ورقة .
فانطلقا فقصا عليه فقال إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الأفق .
فقال لا تفعل إذا أتاك فاثبت حتى ما يقول .
ثم ائتني فأخبرني .
فلما خلا ناداه يا محمد قل بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين 1 الفاتحة 1 - 2 .
حتى بلغ ولا الضالين ولكن هذا الحديث لا يصلح للاحتجاج به على أولية ما نزل مطلقا وذلك من وجهين أحدهما أنه لا يفهم من هذه الرواية أن الفاتحة التي سمعها الرسول كانت في فجر النبوة أول عهده بالوحي الجلي وهو في غار حراء بل يفهم منها أن الفاتحة كانت بعد ذلك العهد وبعد أن أتى الرسول إلى ورقة وبعد أن سمع النداء من خلفه غير مرة وبعد أن أشار عليه ورقة أن يثبت عند هذا النداء حتى يسمع ما يلقى إليه .
وليس كلامنا في هذا إنما هو فيما نزل أول مرة .
الثاني أن هذا الحديث مرسل سقط من سنده الصحابي فلا يقوى على معارضة حديث عائشة السابق في بدء الوحي وهو مرفوع إلى النبي .
فبطل إذا هذا الرأي الثالث وثبت الأول أيضا .
بيد أن صاحب الكشاف عزا هذا القول الثالث إلى أكثر المفسرين ولكن ابن حجر فنده فيما ذهب إليه من هذا العزو وصرح بأن هذا القول لم يقل به إلا عدد أقل عن القليل .
القول الرابع أن أول ما نزل هو بسم الله الرحمن الرحيم واستدل قائلوه بما أخرجه الواحدي بسنده عن عكرمة والحسن قالا أول ما نزل من القرآن بسم الله الرحمن