الوجه الرابع أن في تأييد حقه ودحض باطل عدوه المرة بعد الأخرى تكرارا للذة فوزه وفلجه بالحق والصواب وشهوده لضحايا الباطل في كل مهبط للوحي والكتاب .
وإن كل ذلك إلا مشجع للنفس مقو للقلب والفؤاد والفرق بين هذا الوجه والذي قبله هو الفرق بين الشيء وأثره أو الملزوم ولازمه فالمعجزة من حيث إنها قوة للرسول ومؤيدة له مطمئنة له ومثبتة لفؤاده بقطع النظر عن أثر انتصاره وهزيمة خصمه بها .
ثم إن هذا الأثر العظيم وحده مطمئن لقلبه الكريم ومثبت لفؤاده أيضا .
أشبه شيء بالسلاح وجوده في يد الإنسان مطمئن له ولو لم يستعمله في خصمه ثم انتصار الإنسان وهزيمة خصمه به إذا أعمل فيه مطمئن للفؤاد مريح للقلب مرة أخرى .
الوجه الخامس تعهد الله إياه عند اشتداد الخصام بينه وبين أعدائه بما يهون عليه هذه الشدائد ولا ريب أن تلك الشدائد كانت تحدث في أوقات متعددة فلا جرم كانت التسلية تحدث هي الأخرى في مرات متكافئة .
فكلما أحرجه خصمه سلاه ربه .
وتجيء تلك التسلية تارة عن طريق قصص الأنبياء والمرسلين التي لها في القرآن عرض طويل وفيها يقول الله وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك 11 هود 120 من سورة هود .
وتارة تجيء التسلية عن طريق وعد الله لرسوله بالنصر والتأييد والحفظ كما في قوله سبحانه في سورة الطور واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا 52 الطور 48 وقوله في سورة المائدة و الله يعصمك من الناس إن 5 المائدة 67 ونحو ما في سورتي الضحى وألم نشرح من الوعود الكريمة والعطايا العظيمة .
وطورا تأتيه التسلية عن طريق إبعاد أعدائه وإنذارهم نحو قوله تعالى في سورة القمر سيهزم الجمع ويولون الدبر 54 القمر 45 وقوله سبحانه في سورة فصلت فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صعقة مثل صعقة عاد وثمود 41 فصلت 13 .
وطورا آخر ترد التسلية في صورة الأمر الصريح بالصبر نحو قوله جل شأنه في سورة الأحقاف فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل 46 الأحقاف 35 أو في صورة النهي عن التفجع عليهم والحزن منهم .
نحو قول الله في سورة فاطر فلا تذهب نفسك عليهم حسرت إن الله عليم بما يصنعون 35 فاطر 8 ونحو قوله سبحانه في خواتم سورة النحل واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون 16 النحل 127 .
ومن موارد تسلية الله لرسوله أن يخوفه عواقب حزنه من كفر أعدائه نحو لعلك بخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين 26 الشعراء 3 في فاتحة سورة الشعراء .
ومنها أن يؤيسه منهم ليستريح ويتسلى عنهم نحو وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بئاية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجهلين إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون 6 الأنعام 35 36 من سورة الأنعام