وكان هذا النزول جملة واحدة في ليلة واحدة هي ليلة القدر كما علمت لأنه المتبادر من نصوص الآيات الثلاث السابقة وللتنصيص على ذلك في الأحاديث التي عرضناها عليك .
بل ذكر السيوطي أن القرطبي نقل حكاية الإجماع على نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا .
وهناك قول ثان بنزول القرآن إلى السماء الدنيا في عشرين ليلة قدر أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين ينزل في كل ليلة قدر منها ما يقدر الله إنزاله في كل السنة ثم ينزل بعد ذلك منجما في جميع السنة على النبي .
وثمة قول ثالث أنه ابتدىء إنزاله في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجما في أوقات مختلفة من سائر الأزمان على النبي .
وكأن صاحب هذا القول ينفي النزول جملة إلى بيت العزة في ليلة القدر .
وذكروا قولا رابعا أيضا هو أنه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة وأن الحفظة نجمته على جبريل في عشرين ليلة وأن جبريل نجمه على النبي في عشرين سنة .
ولكن هذه الأقوال الثلاثة الأخيرة بمعزل عن التحقيق وهي محجوجة بالأدلة التي سقناها بين يديك تأييدا للقول الأول .
والحكمة في هذا النزول على ما ذكره السيوطي نقلا عن أبي شامة هي تفخيم أمره أي القرآن وأمر من نزل عليه بإعلام سكان السموات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم وبإنزاله مرتين مرة جملة ومرة مفرقا .
بخلاف الكتب السابقة فقد كانت تنزل جملة مرة واحدة .
وذكر بعضهم أن النزول إلى السماء الدنيا إلهابا لشوق النبي إليه على حد قول القائل .
وأعظم ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الخيام من الخيام .
أقول وفي تعدد النزول وأماكنه مرة في اللوح وأخرى في بيت العزة وثالثة على قلب النبي في ذلك التعدد مبالغة في نفي الشك عن القرآن وزيادة للإيمان وباعث على الثقة فيه لأن الكلام إذا سجل في سجلات متعددة وصحت له وجودات كثيرة كان ذلك أنفى للريب عنه وأدعى إلى تسليم ثبوته وأدنى إلى وفرة الإيقان به مما لو سجل في سجل واحد أو كان له وجود واحد .
ج - التنزل الثالث للقرآن هذا هو واسطة عقد التنزلات لأنه المرحلة الأخيرة التي منها شع النور على العالم ووصلت هداية الله إلى الخلق وكان هذا النزول بوساطة أمين