دلت هذه الآيات الثلاث على أن القرآن أنزل في ليلة واحدة توصف بأنها مباركة أخذا من آية الدخان وتسمى ليلة القدر أخذا من آية سورة القدر وهي من ليالي شهر رمضان أخذا من آية البقرة .
وإنما قلنا ذلك جمعا بين هذه النصوص في العمل بها ودفعا للتعارض فيما بينها .
ومعلوم بالأدلة القاطعة كما يأتي أن القرآن أنزل على النبي مفرقا لا في ليلة واحدة بل في مدى سنين عددا فتعين أن يكون هذا النزول الذي نوهت به هذه الآيات الثلاث نزولا آخر غير النزول على النبي .
وقد جاءت الأخبار الصحيحة مبينة لمكان هذا النزول وأنه في بيت العزة من السماء الدنيا كما تدل الروايات الآتية .
1 - أخرج الحاكم بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا فجعل جبريل ينزل به على النبي .
وأخرج النسائي والحاكم والبيهقي من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة ثم قرأ ولا يأتونك بمثل إلا جئنك بالحق وأحسن تفسيرا 25 الفرقان 33 وقرءانا فرقنه لتقرأه على الناس على مكث ونزلنه تنزيلا 17 الإسراء 106 .
3 - وأخرج الحاكم والبيهقي وغيرهما من طريق منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا وكان بمواقع النجوم وكان الله ينزله على رسوله بعضه في إثر بعض .
4 - وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس أنه سأله عطية بن الأسود فقال أوقع في قلبي الشك قوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان 2 البقرة 185 وقوله إنا أنزلنه في ليلة القدر 97 القدر 1 .
وهذا أنزل في شوال وفي ذي القعدة وفي ذي الحجة وفي المحرم وصفر وشهر ربيع .
فقال ابن عباس إنه أنزل في رمضان في ليلة القدر جملة واحدة ثم أنزل على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأيام .
قال أبو شامة رسلا أي رفقا .
وعلى مواقع النجوم أي على مثل مساقطها .
يريد أنه أنزل في رمضان في ليلة القدر جملة واحدة ثم أنزل على مواقع النجوم مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق .
هذه أحاديث أربعة من جملة أحاديث ذكرت في هذا الباب وكلها صحيحة كما قال السيوطي وهي أحاديث موقوفة على ابن عباس غير أن لها حكم المرفوع إلى النبي لما هو مقرر من أن قول الصحابي ما لا مجال للرأي فيه ولم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات حكمه حكم المرفوع .
ولا ريب أن نزول القرآن إلى بيت العزة من أنباء الغيب التي لا تعرف إلا من المعصوم وابن عباس لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات فثبت الاحتجاج بها