وإليك صورة مصغرة تشهد فيها حرب الآراء والأفكار مشبوبة بين الكاتبين في هذا الموضوع .
1 - يبالغ بعضهم في الإشادة بالقراءات السبع ويقول من زعم أن القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر فقوله كفر لأنه يؤدي إلى عدم تواتر القرآن جملة .
ويعزى هذا الرأي إلى مفتي البلاد الأندلسية الأستاذ أبي سعيد فرج بن لب وقد تحمس لرأيه كثيرا وألف رسالة كبيرة في تأييد مذهبه والرد على من رد عليه .
ولكن دليله الذي استند إليه لا يسلم له فإن القول بعدم تواتر القراءات السبع لا يستلزم القول بعدم تواتر القرآن .
كيف وهناك فرق بين القرآن والقراءات السبع بحيث يصح أن يكون القرآن متواترا في غير القراءات السبع أو في القدر الذي اتفق عليه القراء جميعا أو في القدر الذي اتفق عدد يؤمن تواطؤهم على الكذب قراء كانوا أو غير قراء بينما تكون القراءات السبع غير متواترة وذلك في القدر الذي اختلف فيه القراء ولم يجتمع على روايته عدد يؤمن تواطؤهم على الكذب في كل طبقة وإن كان احتمالا ينفيه الواقع كما هو التحقيق الآتي .
2 - يبالغ بعضهم في توهين القراءات السبع والغض من شأنها فيزعم أنه لا فرق بينها وبين سائر القراءات ويحكم بأن الجميع روايات آحاد .
ويستدل على ذلك بأن القول يتواترها منكر يؤدي إلى تكفير من طعن في شيء منها مع أن الطعن وقع فعلا من بعض العلماء والأعلام .
ونناقش هذا الدليل بأنا لا نسلم أن إنكار شيء من القراءات يقتضي التكفير على القول بتواترها .
وإنما يحكم بالتكفير على من علم تواترها ثم أنكره .
والشيء قد يكون متواترا عند قوم غير متواتر عند آخرين وقد يكون متواترا في وقت دون آخر فطعن من طعن منهم يحمل على ما لم يعلموا تواتره منها وهذا لا ينفي التواتر عند من علم به وفوق كل ذي علم عليم .
ويمكن مناقشة هذا الدليل أيضا بأن طعن الطاعنين إنما هو فيما اختلف فيه وكان من قبيل الأداء .
أما ما اتفق عليه فليس بموضع طعن .
ونحن لا نقول إلا بتواتر ما اتفق عليه دون ما اختلف فيه .
3 - يقول ابن السبكي في جمع الجوامع وشارحه ومحشيه القراءات السبع متواترة تواترا تاما أي نقلها عن النبي جمع يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب لمثلهم وهلم جرا