يقول تعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه : { واتل عليهم } أي أخبرهم واقصص عليهم أي على كفار مكة الذين يكذبونك ويخالفونك { نبأ نوح } أي خبره مع قومه الذين كذبوه كيف أهلكهم الله ودمرهم بالغرق أجمعين عن آخرهم ليحذر هؤلاء أن يصيبهم من الهلاك والدمار ما أصاب أولئك { إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم } أي عظم عليكم { مقامي } أي فيكم بين أظهركم { وتذكيري } إياكم { بآيات الله } أي بحججه وبراهينه { فعلى الله توكلت } أي فإني لا أبالي ولا أكف عنكم سواء عظم عليكم أو لا { فأجمعوا أمركم وشركاءكم } أي فاجتمعوا أنتم وشركاؤكم الذين تدعون من دون الله من صنم ووثن { ثم لا يكن أمركم عليكم غمة } أي لا تجعلوا أمركم عليكم ملتبسا بل افصلوا حالكم معي فإن كنتم تزعمون أنكم محقون فاقضوا إلي { ولا تنظرون } أي ولا تؤخروني ساعة واحدة أي مهما قدرتم فافعلوا فإني لا أباليكم ولا أخاف منكم لأنكم لستم على شيء كما قال هود لقومه : { إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم } الاية .
وقوله { فإن توليتم } أي كذبتم وأدبرتم عن الطاعة { فما سألتكم من أجر } أي لم أطلب على نصحي إياكم شيئا { إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين } أي وأنا ممتثل ما أمرت به من الإسلام لله D والإسلام هو دين الأنبياء جميعا من أولهم إلى آخرهم وإن تنوعت شرائعهم وتعددت مناهلهم كما قال تعالى : { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } قال ابن عباس : سبيلا وسنة فهذا نوح يقول : { وأمرت أن أكون من المسلمين } وقال تعالى عن إبراهيم الخليل : { إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } وقال يوسف : { رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين } وقال موسى : { يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين } وقال السحرة : { ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين } وقال بلقيس : { رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } وقال تعالى : { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا } وقال تعالى : { وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون } وقال خاتم الرسل وسيد البشر صلى الله عليه وسلّم : { إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } أي من هذه الأمة ولهذا قال في الحديث الثابت عنه : [ نحن معشر الأنبياء أولاد علات وديننا واحد ] أي وهو عبادة الله وحده لا شريك له وإن تنوعت شرائعنا وذلك معنى قوله أولاد علات وهم الإخوة من أمهات شتى والأب واحد .
وقوله تعالى : { فكذبوه فنجيناه ومن معه } أي على دينه { في الفلك } وهي السفينة { وجعلناهم خلائف } أي في الأرض { وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين } أي يا محمد كيف أنجينا المؤمنين وأهلكنا المكذبين