وقوله تعالى : { وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } كل ذلك قد تقدم الكلام عليه في تفسير آية النساء فلا حاجة بنا إلى إعادته لئلا يطول الكلام وقد ذكرنا سبب نزول آية التيمم هناك لكن البخاري روى ههنا حديثا خاصا بهذه الآية الكريمة فقال : حدثنا يحيى بن سليمان حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه عن أبيه عن عائشة قالت : سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ونزل فثنى رأسه في حجري راقدا فأقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة وقال : حبست الناس في قلادة فتمنيت الموت لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم مني وقد أوجعني ثم إن النبي صلى الله عليه وسلّم استيقظ وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد فنزلت { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } إلى آخر الآية فقال أسيد بن الحضير : لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ما أنتم إلا بركة لهم .
وقوله تعالى : { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } أي فلهذا سهل عليكم ويسر ولم يعسر بل أباح التيمم عند المرض وعند فقد الماء توسعة عليكم ورحمة بكم وجعله في حق من شرع له يقوم مقام الماء إلا من بعض الوجوه كما تقدم بيانه وكما هو مقرر في كتاب الأحكام الكبير وقوله تعالى : { ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } أي لعلكم تشكرون نعمه عليكم فيما شرعه لكم من التوسعة والرأفة والرحمة والتسهيل والسماحة وقد وردت السنة بالحث على الدعاء عقب الوضوء بأن يجعل فاعله من المتطهرين الداخلين في امتثال هذه الآية الكريمة كما رواه الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن عن عقبة بن عامر قال : كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي فروحتها بعشي فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلّم قائما يحدث الناس فأدركت من قوله [ ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلا عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة ] قال : قلت : ما أجود هذا فإذا قائل بين يدي يقول : التي قبلها أجود منها فنظرت فإذا عمر Bه فقال : إني قد رأيتك جئت آنفا قال [ ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ] لفظ مسلم .
وقال مالك عن نهشل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال [ إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب ] رواه مسلم عن أبي الطاهر عن ابن وهب عن مالك به وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن كعب بن مرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ ما من رجل يتوضأ فيغسل يديه أو ذراعيه إلا خرجت خطاياه منهما فإذا غسل وجهه خرجت خطاياه من وجهه فإذا مسح رأسه خرجت خطاياه من رأسه فإذا غسل رجليه خرجت خطاياه من رجليه ] هذا لفظه وقد رواه الإمام أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة عن منصور عن سالم عن مرة بن كعب أو كعب بن مرة السلمي عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال [ وإذا توضأ العبد فغسل يديه خرجت خطاياه من بين يديه وإذا غسل وجهه خرجت خطاياه من وجهه وإذا غسل ذراعيه خرجت خطاياه من ذراعيه وإذا غسل رجليه خرجت خطاياه من رجليه ] قال شعبة : ولم يذكر مسح الرأس وهذا إسناد صحيح .
وروى ابن جرير من طريق شمر بن عطية عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ من توضأ فأحسن الوضوء ثم قام إلى الصلاة خرجت ذنوبه من سمعه وبصره ويديه ورجليه ] وروى مسلم في صحيحه من حديث يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده ممطور عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال [ الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض والصوم جنة والصبر ضياء والصدقة برهان والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ] وفي صحيح مسلم من رواية سماك بن حرب عن مصعب بن سعد عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ لا يقبل الله صدقة من غلول ولا صلاة بغير طهور ] وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة عن قتادة سمعت أبا المليح الهذلي يحدث عن أبيه قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في بيت فسمعته يقول [ إن الله لا يقبل صلاة من غير طهور ولا صدقة من غلول ] وكذا رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث شعبة