استوى فذكر الإستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته وقال وكان بالمؤمنين رحيما فخصهم باسمه الرحيم قالوا فدل على أن الرحمن أشد مبالغة في الرحمة لعمومها في الدارين لجميع خلقه والرحيم خاصة بالمؤمنين لكن جاء في الدعاء المأثور رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما واسمه تعالى الرحمن خاص به لم يسم به غيره كما قال تعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى وقال تعالى واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ولما تجهرم مسيلمة الكذاب وتسمى برحمن اليمامة كساه الله جلباب الكذب وشهر به فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب فصار يضرب به المثل في الكذب بين أهل الحضر من أهل المدر وأهل الوبر من أهل البادية والأعراب وقد زعم بعضهم أن الرحيم أشد مبالغة من الرحمن لأنه أكد به والمؤكد لا يكون إلا أقوى من المؤكد والجواب أن هذا ليس من باب التأكيد وإنما هو من باب النعت ولا يلزم فيه ما ذكروه وعلى هذا فيكون تقدير إسم الله الذي لم يسم به أحد غيره ووصفه أولا بالرحمن الذي منع من التسمية به لغيره كما قال تعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى وإنما تجهرم مسيلمة اليمامة في التسمي به ولم يتابعه على ذلك إلا من كان معه في الضلالة وأما الرحيم فإنه تعالى وصف به غيره حيث قال لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم كما وصف غيره بذلك من أسمائه كما قال تعالى إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره ومنها مالا يسمى به غيره كاسم الله والرحمن والخالق والرازق ونحو ذلك فلهذا بدأ بإسم الله ووصفه بالرحمن لأنه أخص وأعرف من الرحيم لأن التسمية أولا إنما تكون بأشرف الأسماء فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص فإن قيل فإذا كان الرحمن أشد مبالغة فهلا اكتفى به عن الرحيم فقد روي عن عطاء الخراساني ما معناه أنه لما تسمى غيره بالرحمن جيء بلفظ الرحيم ليقطع الوهم بذلك فإنه لا يوصف بالرحمن الرحيم إلا الله تعالى كذا رواه ابن جرير عن عطاء ووجهه بذلك والله أعلم وقد زعم بعضهم أن العرب لا تعرف الرحمن حتى رد الله عليهم ذلك بقوله قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولهذا قال كفار قريش يوم الحديبية لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لعلي أكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقالوا لا نعرف الرحمن ولا الرحيم رواه البخاري م1784 وفي بعض الروايات لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة وقال تعالى وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا والظاهر أن إنكارهم هذا إنما هو جحود وعناد وتعنت في كفرهم فإنه قد وجد في أشعارهم في الجاهلية تسمية الله تعالى بالرحمن قال ابن جرير وقد أنشد بعض الجاهلية الجهال .
ألا ضربت تلك الفتاة هجينها ألا قضب الرحمن ربي يمينها .
وقال سلامة بن جندب الطهوي .
عجلتم علينا إذ عجلنا عليكم وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق .
وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا بشر بن عمارة حدثنا أبو روق عن الضحاك عن عبد الله بن عباس قال الرحمن الفعلان من الرحمة هو من كلام العرب وقال الرحمن الرحيم الرفيق الرقيق لمن أحب أن يرحمه والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف عليه وكذلك أسماؤه كلها وقال ابن جرير أيضا حدثنا محمد بن بشار حدثنا حماد بن مسعدة عن عوف عن الحسن قال الرحمن إسم ممنوع وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان حدثنا زيد بن الحباب حدثني أبو الأشهب عن الحسن قال الرحمن إسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه تسمى به تبارك وتعالى وقد جاء في حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يقطع قراءته حرفا حرفا بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين فقرأ بعضهم كذلك وهم طائفة ومنهم من وصلها بقوله الحمد لله رب العالمين وكسرت الميم لإلتقاء الساكنين وهم الجمهور وحكى الكسائي من الكوفيين عن بعض العرب أنها تقرأ بفتح الميم وصلة الهمزة فيقولون بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين فنقلوا حركة الهمزة إلى الميم بعد تسكينها كما قرئ قوله تعالى الم الله لا إله إلا هو قال ابن عطية ولم ترد هذه قراءة عن أحد فيما علمت .
الآيات 1 \ 2 2