وقيل اشتقاقه من أله الفصيل أولع بأمه والمعنى أن العباد مألوهون مولعون بالتضرع إليه في كل الأحوال قال وقيل مشتق من أله الرجل يأله إذا فزع من أمر نزل به فألهه أي أجاره فالمجير لجميع الخلائق من كل المضار هو الله سبحانه لقوله تعالى وهو يجير ولا يجار عليه وهو المنعم لقوله تعالى وما بكم من نعمة فمن الله وهو المطعم لقوله تعالى وهو يطعم ولا يطعم وهو الموجد لقوله تعالى قل كل من عند الله وقد اختار الرازي أنه إسم غير مشتق البتة قال وهو قول الخليل وسيبويه وأكثر الأصوليين والفقهاء ثم أخذ يستدل على ذلك بوجوه منها أنه لو كان مشتقا لاشترك في معناه كثيرون ومنها أن بقية الأسماء تذكر صفات له فتقول الله الرحمن الرحيم الملك القدوس فدل أنه ليس بمشتق قال فأما قوله تعالى العزيز الحميد الله على قراءة الجر فجعل ذلك من باب عطف البيان ومنها قوله تعالى هل تعلم له سميا وفي الإستدلال بهذه على كون هذا الإسم جامدا غير مشتق نظر والله أعلم وحكى الرازي عن بعضهم أن إسم الله تعالى عبراني ثم ضعفه وهو حقيق بالتضعيف كما قال وقد حكى الرازي هذا القول ثم قال واعلم أن الخلائق قسمان واصلون إلى ساحل بحر المعرفة ومحرومون قد بقوا في ظلمات الحيرة وتيه الجهالة فكأنهم قد فقدوا عقولهم وأرواحهم وأما الواجدون فقد وصلوا إلى عرصة النور وفسحة الكبرياء والجلال فتاهوا في ميادين الصمدية وبادوا في عرصة الفردانية فثبت أن الخلائق كلهم والهون في معرفته وروي عن الخليل بن أحمد أنه قال لأن الخلق يألهون إليه بفتح اللام وكسرها لغتان وقيل أنه مشتق من الإرتفاع فكانت العرب تقول لكل شيء مرتفع لاها وكانوا يقولون إذا طلعت الشمس لاهت وقيل إنه مشتق من أله الرجل إذا تعبد وتأله إذا تنسك وقرأ ابن عباس ويذرك وءالهتك وأصل ذلك الإله فحذفت الهمزة التي هي فاء الكلمة فالتقت اللام التي هي عينها مع اللام الزائدة في أولها للتعريف فأدغمت إحداهما في الأخرى فصارتا في اللفظ لاما واحدة مشددة وفخمت تعظيما فقيل الله الرحمن الرحيم إسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة ورحمن أشد مبالغة من رحيم وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الإتفاق على هذا وفي تفسير بعض السلف ما يدل على ذلك كما تقدم في الأثر عن عيسى عليه السلام أنه قال والرحمن رحمن الدنيا والآخرة والرحيم رحيم الآخرة زعم بعضهم أنه غير مشتق إذ لو كان كذلك لا تصل بذكر المرحوم وقد قال وكان بالمؤمنين رحيما وحكى الأنباري في الزاهر عن المبرد أن الرحمن إسم عبراني ليس بعربي وقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن وقال أحمد بن يحيى الرحيم عربي والرحمن عربي فلهذا جمع بينهما قال أبو إسحاق وهذا القول مرغوب عنه وقال القرطبي والدليل على أنه مشتق ما خرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف Bه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول قال الله تعالى أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها إسما من إسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته قال وهذا نص في الإشتقاق فلا معنى للمخالفة والشقاق قال وإنكار العرب لإسم الرحمن لجهلهم بالله وبما وجب له قال القرطبي ثم قيل هما بمعنى واحد كندمان ونديم قاله أبو عبيد وقيل ليس بناء فعلان كفعيل فإن فعلان لا يقع إلا على مبالغة الفعل نحو قولك رجل غضبان للرجل الممتلئ غضبا وفعيل قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول قال أبو علي الفارسي الرحمن إسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى والرحيم إنما هو من جهة المؤمنين قال الله تعالى وكان بالمؤمنين رحيما وقال ابن عباس هما إسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر أي أكثر رحمة ثم حكى عن الخطابي وغيره أنهم استشكلوا هذه الصفة وقالوا لعله أرفق كما في الحديث إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله وإنه يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف وقال ابن المبارك الرحمن إذا سئل أعطى والرحيم إذا لم يسأل لم يغضب وهكذا كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي صالح الفارسي الخوزي عن أبي هريرة Bه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم من لم يسأل الله يغضب عليه وقال بعض الشعراء .
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب .
وقال ابن جرير حدثنا السري بن يحيى التيمي حدثنا عثمان بن زفر سمعت العزرمي يقول الرحمن الرحيم قال الرحمن لجميع الخلق الرحيم قال بالمؤمنين قالوا ولهذا قال ثم استوى على العرش الرحمن وقال الرحمن على العرش