يقول تعالى ذاما لليهود الذين أعطوا التوراة وحملوها للعمل بها ثم لم يعملوا بها : مثلهم في ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارا أي كمثل الحمار إذا حمل كتبا لا يدري ما فيها فهو يحملها حملا حسيا ولا يدري ما عليه وكذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الذي أوتوه حفظوه لفظا ولم يتفهموه ولا عملوا بمقتضاه بل أولوه وحرفوه وبدلوه فهم أسوأ حالا من الحمير لأن الحمار لا فهم له وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها ولهذا قال تعالى في الاية الأخرى : { أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون } وقال تعالى ههنا : { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين } وقال الإمام أحمد C : حدثنا ابن نمير عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا والذي يقول له أنصت ليس له جمعة ] ثم قال تعالى : { قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } أي إن كنتم تزعمون أنكم على هدى وأن محمدا وأصحابه على ضلالة فادعوا بالموت على الضال من الفئتين إن كنتم صادقين أي فيما تزعمونه .
قال الله تعالى : { ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم } أي بما يعملون لهم من الكفر والظلم والفجور { والله عليم بالظالمين } وقد قدمنا الكلام في سورة البقرة على هذه المباهلة لليهود حيث قال تعالى : { قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين * ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون } وقد أسلفنا الكلام هناك وبينا أن المراد أن يدعوا على الضلال من أنفسهم أو خصومهم كما تقدمت مباهلة النصارى في آل عمران { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } ومباهلة المشركين في سورة مريم { قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا } .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن يزيد الرقي أبو زيد حدثنا فرات عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال أبو جهل لعنه الله : إن رأيت محمدا عند الكعبة لاتينه حتى أطأ على عنقه قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ لو فعل لأخذته الملائكة عيانا ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلّم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا ] رواه البخاري والترمذي والنسائي من حديث عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم قال البخاري وتبعه عمرو بن خالد عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم ورواه النسائي أيضا عن عبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي عن عبيد الله بن عمرو الرقي به أتم .
وقوله تعالى : { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون } كقوله تعالى في سورة النساء { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة } وفي معجم الطبراني من حديث معاذ بن محمد الهذلي عن يونس عن الحسن عن سمرة مرفوعا [ مثل الذي يفر من الموت كمثل الثعلب تطلبه الأرض بدين فجاء يسعى حتى إذا أعيا وانبهر دخل جحره فقالت له الأرض ياثعلب ديني فخرج له حصاص فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه فمات ]