يقول تعالى مخبرا عن المنافقين في بلادتهم وقلة فهمهم حيث كانوا يجلسون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويستمعون كلامه فلا يفهمون منه شيئا فإذا خرجوا من عنده { قالوا للذين أوتوا العلم } من الصحابة Bهم { ماذا قال آنفا } أي الساعة لا يعقلون ما قال ولا يكترثون له قال الله تعالى : { أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم } أي فلا فهم صحيح ولا قصد صحيح ثم قال D : { والذين اهتدوا زادهم هدى } أي والذين قصدوا الهداية وفقهم الله تعالى لها فهداهم إليها وثبتهم عليها وزادهم منها { وآتاهم تقواهم } أي ألهمهم رشدهم وقوله تعالى : { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة } أي وهم غافلون عنها { فقد جاء أشراطها } أي أمارات اقترابها كقوله تبارك وتعالى : { هذا نذير من النذر الأولى * أزفت الآزفة } وكقوله جلت عظمته : { اقتربت الساعة وانشق القمر } وقوله سبحانه وتعالى : { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } وقوله جل وعلا : { اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون } فبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلّم من أشراط الساعة لأنه خاتم الرسل الذي أكمل الله تعالى به الدين وأقام به الحجة على العالمين .
وقد أخبر صلى الله عليه وسلّم بأمارات الساعة وأشراطها وأبان عن ذلك وأوضحه بما لم يؤته نبي قبله كما هو مبسوط في موضعه وقال الحسن البصري : بعثة محمد صلى الله عليه وسلّم من أشراط الساعة وهو كما قال ولهذا جاء في أسمائه صلى الله عليه وسلّم أنه نبي التوبة ونبي الملحمة والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه والعاقب الذي ليس بعده نبي .
وقال البخاري : حدثنا أحمد بن المقدام حدثنا فضيل بن سليمان حدثنا أبو حازم حدثنا سهل بن سعد Bه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال بأصبعيه هكذا بالوسطى والتي تليها [ بعثت أنا والساعة كهاتين ] ثم قال تعالى : { فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم } أي فكيف للكافرين بالتذكر إذا جاءتهم القيامة حيث لا ينفعهم ذلك كقوله تعالى : { يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى } { وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد } وقوله D : { فاعلم أنه لا إله إلا الله } هذا إخبار بأنه لا إله إلا الله ولا يتأتى كونه آمرا بعلم ذلك ولهذا عطف عليه قوله D : { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } وفي الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يقول : [ اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي ] وفي الصحيح أنه كان يقول في آخر الصلاة [ اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت إلهي لا إله إلا أنت ] وفي الصحيح أنه قال : [ يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم الأحول قال : سمعت عبد الله بن سرجس قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأكلت من طعامه فقلت غفر الله لك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلّم : [ ولك ] فقلت أستغفر لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ نعم ولكم ] وقرأ { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } ثم نظرت إلى بعض كتفه الأيمن ـ أو كتفه الأيسر شعبة الذي شك ـ فإذا هو كهيئة الجمع عليه الثآليل ورواه مسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن عاصم الأحول به وفي الحديث الاخر الذي رواه أبو يعلى : حدثنا محمد بن عون حدثنا عثمان بن مطر حدثنا عبد الغفور عن أبي نصيرة عن أبي رجاء عن أبي بكر الصديق Bه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال : [ عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار فأكثروا منهما فإن إبليس قال : إنما أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء فهم يحسبون أنهم مهتدون ] وفي الأثر المروي [ قال إبليس وعزتك وجلالك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الله D : وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ] والأحاديث في فضل الاستغفار كثيرة جدا وقوله تبارك وتعالى : { والله يعلم متقلبكم ومثواكم } أي يعلم تصرفكم في نهاركم ومستقركم في ليلكم كقوله تبارك وتعالى : { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار } وقوله سبحانه وتعالى : { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين } وهذا القول ذهب إليه ابن جريج وهو اختيار ابن جرير وعن ابن عباس Bهما متقلبكم في الدنيا ومثواكم في الاخرة وقال السدي متقلبكم في الدنيا ومثواكم في قبوركم والأول أولى وأظهر والله أعلم