يقول تعالى مخبرا عن خليله إبراهيم E أنه بعد ما نصره الله تعالى على قومه وأيس من إيمانهم بعد ما شاهدوا من الايات العظيمة هاجر من بين أظهرهم وقال { إني ذاهب إلى ربي سيهدين * رب هب لي من الصالحين } يعني أولادا مطيعين عوضا من قومه وعشيرته الذين فارقهم قال الله تعالى : { فبشرناه بغلام حليم } وهذا الغلام هو إسماعيل عليه السلام فإنه أول ولد بشر به إبراهيم عليه السلام وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب بل في نص كتابهم أن إسماعيل عليه السلام ولد ولإبراهيم عليه السلام ست وثمانون سنة وولد إسحاق وعمر إبراهيم E تسع وتسعون سنة وعندهم أن الله تبارك وتعالى أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده وفي نسخة أخرى بكره فأقحموا ههنا كذبا وبهتانا إسحاق ولا يجوز هذا لأنه مخالف لنص كتابه وإنما أقحموا إسحاق لأنه أبوهم وإسماعيل أبو العرب فحسدوهم فزادوا ذلك وحرفوا وحيدك بمعنى الذي ليس عندك غيره فإن إسماعيل كان ذهب به وبأمه إلى مكة وهو تأويل وتحريف باطل فإنه لا يقال وحيدك إلا لمن ليس له غيره وأيضا فإن أول ولد له معزة ما ليس لمن بعده من الأولاد فالأمر بذبحه أبلغ في الابتلاء والاختبار وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق وحكي ذلك عن طائفة من السلف حتى نقل عن بعض الصحابة Bهم أيضا وليس ذلك في كتاب ولا سنة وما أظن ذلك تلقي إلا عن أحبار أهل الكتاب وأخذ ذلك مسلم من غير حجة وهذا كتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه إسماعيل فإنه ذكر البشارة بغلام حليم وذكر أنه الذبيح ثم قال بعد ذلك { وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين } ولما بشرت الملائكة إبراهيم بإسحاق قالوا { إنا نبشرك بغلام عليم } وقال تعالى : { فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب } أي يولد له في حياتهم ولد يسمى يعقوب فيكون من ذريته عقب ونسل وقد قدمنا هناك أنه لا يجوز بعد هذا أن يؤمر بذبحه وهو صغير لأن الله تعالى قد وعدهما بأنه سيعقب ويكون له نسل فكيف يمكن بعد هذا أن يؤمر بذبحه صغيرا وإسماعيل وصف ههنا بالحليم لأنه مناسب لهذا المقام ؟ وقوله تعالى : { فلما بلغ معه السعي } أي كبر وترعرع وصار يذهب مع أبيه ويمشي معه وقد كان إبراهيم E يذهب في كل وقت يتفقد ولده وأم ولده ببلاد فاران وينظر في أمرهما وقد ذكر أنه كان يركب على البراق سريعا إلى هناك والله أعلم وعن ابن عباس Bهما ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني وزيد بن أسلم وغيرهم { فلما بلغ معه السعي } بمعنى شب وارتجل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل { فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى } قال عبيد بن عمير رؤيا الأنبياء وحي ثم تلا هذه الاية { قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى } وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا أبو عبد الملك الكرندي حدثنا سفيان بن عيينة عن إسرائيل بن يونس عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس Bهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ رؤيا الأنبياء في المنام وحي ] ليس هو في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه وإنما أعلم ابنه بذلك ليكون أهون عليه وليختبر صبره وجلده وعزمه في صغره على طاعة الله تعالى وطاعة أبيه { قال يا أبت افعل ما تؤمر } أي امض لما أمرك الله من ذبحي { ستجدني إن شاء الله من الصابرين } أي سأصبر وأحتسب ذلك عند الله D وصدق صلوات الله وسلامه عليه فيما وعد ولهذا قال الله تعالى : { واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا * وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا } وقال تعالى : { فلما أسلما وتله للجبين } أي فلما تشهدا وذكرا الله تعالى إبراهيم على الذبح والولد شهادة الموت وقيل أسلما يعني استسلما وانقادا إبراهيم امتثل أمر الله تعالى وإسماعيل طاعة لله ولأبيه قاله مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن إسحاق وغيرهم ومعنى تله للجبين أي صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه قال ابن عباس Bهما ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة { وتله للجبين } أكبه على وجهه وقال الإمام أحمد حدثنا سريج ويونس قالا حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عاصم الغنوي عن أبي الطفيل عن ابن عباس Bهما أنه قال لما أمر إبراهيم E بالمناسك عرض له الشيطان عند السعي فسابقه فسبقه إبراهيم E ثم ذهب به جبريل E إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات ثم تله للجبين وعلى إسماعيل E قميص أبيض فقال يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غيره فاخلعه حتى تكفنني فيه فعالجه ليخلعه فنودي من خلفه { أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا } فالتفت إبراهيم فإذا بكبش أبيض أقرن أعين قال ابن عباس لقد رأيتنا نتتبع ذلك الضرب من الكباش وذكر هشام الحديث في المناسك بطوله ثم رواه أحمد بطوله من يونس عن حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس Bهما فذكره إلا أنه قال إسحاق فعن ابن عباس Bهما في تسمية الذبيح روايتان والأظهر عنه إسماعيل لما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وقال محمد بن إسحاق عن الحسن بن دينار عن قتادة عن جعفر بن إياس عن ابن عباس Bهما في قوله تبارك وتعالى : { وفديناه بذبح عظيم } قال خرج عليه كبش من الجنة قد رعى قبل ذلك أربعين خريفا فأرسل إبراهيم E ابنه واتبع الكبش فأخرجه إلى الجمرة الأولى فرماه بسبع حصيات ثم أفلته عندها فجاء إلى الجمرة الوسطى فأخرجه عندها فرماه بسبع حصيات ثم أفلته فأدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات فأخرجه عندها ثم أخذه فأتى به المنحر من منى فذبحه فو الذي نفس ابن عباس بيده لقد كان أول الإسلام وأن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة حتى وحش يعني يبس وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري أخبرنا القاسم قال اجتمع أبو هريرة وكعب فجعل أبو هريرة Bه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلّم فجعل كعب يحدث عن الكتب فقال أبو هريرة Bه قال النبي صلى الله عليه وسلّم : [ إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني قد خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ] فقال له كعب أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ قال نعم قال فداك أبي وأمي ـ أو فداه أبي وأمي ـ أفلا أخبرك عن إبراهيم E ؟ إنه لما أري ذبح ابنه إسحاق قال الشيطان إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهم أبدا فخرج إبراهيم E بابنه ليذبحه فذهب الشيطان فدخل على سارة فقال أين ذهب إبراهيم بابنك ؟ قالت غدا به لبعض حاجته قال فإنه لم يغد به لحاجة إنما ذهب به ليذبحه قالت ولم يذبحه ؟ قال زعم أن ربه أمره بذلك قالت فقد أحسن أن يطيع ربه فذهب الشيطان في أثرهما فقال للغلام أين يذهب بك أبوك قال لبعض حاجته قال فإنه لا يذهب بك لحاجة ولكنه يذهب بك ليذبحك قال ولم يذبحني ؟ قال يزعم أن ربه أمره بذلك قال فو الله لئن كان الله تعالى أمره بذلك ليفعلن قال فيئس منه فتركه ولحق بإبراهيم E فقال أين غدوت بابنك قال لحاجة قال فإنك لم تغد به لحاجة وإنما غدوت به لتذبحه قال ولم أذبحه ؟ قال تزعم أن ربك أمرك بذلك قال فوالله لئن كان الله تعالى أمرني بذلك لأفعلن قال فتركه ويئس أن يطاع وقد رواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن يونس عن ابن يزيد عن ابن شهاب قال إن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي أخبره أن كعبا قال لأبي هريرة فذكره بطوله وقال في آخره وأوحى الله تعالى إلى إسحاق أني أعطيتك دعوة استجبت لك فيها قال إسحاق اللهم إني أدعوك أن تستجيب لي أيما عبد لقيك من الأولين والاخرين لا يشرك بك شيئا فأدخله الجنة وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم [ إن الله تبارك وتعالى خيرني بين أن يغفر لنصف أمتي وبين أن يجيب شفاعتي فاخترت شفاعتي ورجوت أن تكون أعم لأمتي ولولا الذي سبقني إليه العبد الصالح لتعجلت فيها دعوتي إن الله تعالى لما فرج عن إسحاق كرب الذبح قيل له يا إسحاق سل تعط فقال أما والذي نفسي بيده لأتعجلنها قبل نزغات الشيطان اللهم من مات لا يشرك بك شيئا فاغفر له وأدخله الجنة ] هذا حديث غريب منكر وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف الحديث وأخشى أن يكون في الحديث زيادة مدرجة وهي قوله إن الله تعالى لما فرج عن إسحاق إلى آخره والله أعلم فهذا إن كان محفوظا فالأشبه أن السياق إنما هو عن إسماعيل وإنما حرفوه بإسحاق حسدا منهم كما تقدم وإلا فالمناسك والذبائح إنما محلها بمنى من أرض مكة حيث كان إسماعيل لا إسحاق فإنه إنما كان ببلاد كنعان من أرض الشام وقوله تعالى : { وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا } أي قد حصل المقصود من رؤياك واضجاعك ولدك للذبح وذكر السدي وغيره أنه أمر السكين على رقبته فلم تقطع شيئا بل حال بينها وبينه صفحة من نحاس ونودي إبراهيم E عند ذلك { قد صدقت الرؤيا } وقوله تعالى : { إنا كذلك نجزي المحسنين } أي هكذا نصرف عمن أطاعنا المكاره والشدائد ونجعل لهم من أمرهم فرجا ومخرجا كقوله تعالى : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا } وقد استدل بهذه الاية والقصة جماعة من علماء الأصول على صحة النسخ قبل التمكن من الفعل خلافا لطائفة من المعتزلة والدلالة من هذه ظاهرة لأن الله تعالى شرع لإبراهيم E ذبح ولده ثم نسخه عنه وصرفه إلى الفداء وإنما كان المقصود من شرعه أولا إثابة الخليل على الصبر على ذبح ولده وعزمه على ذلك ولهذا قال تعالى : { إن هذا لهو البلاء المبين } أي الاختبار الواضح الجلي حيث أمر بذبح ولده فسارع إلى ذلك مستسلما لأمر الله تعالى منقادا لطاعته ولهذا قال تعالى : { وإبراهيم الذي وفى } وقوله تعالى : { وفديناه بذبح عظيم } قال سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن علي Bه { وفديناه بذبح عظيم } قال بكبش أبيض أعين أقرن قد ربط بسمرة قال أبو الطفيل : وجدوه مربوطا بسمرة في ثبير وقال الثوري أيضا عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس Bهما قال : كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار حدثنا داود العطار عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس Bهما قال الصخرة التي بمنى بأصل ثبير هي الصخرة التي ذبح عليها إبراهيم فداء إسحاق ابنه هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء فذبحه وهو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه فكان مخزونا حتى فدي به إسحاق وروي أيضا عن سعيد بن جبير أنه قال كان الكبش يرتع في الجنة حتى فدي به إسحاق وروي أيضا عن سعيد بن جبير أنه قال كان الكبش يرتع في الجنة حتى شقق عنه ثبير وكان عليه عهن أحمر وعن الحسن البصري أنه قال كان اسم كبش إبراهيم E جرير وقال ابن جريج قال عبيد بن عمير ذبحه بالمقام وقال مجاهد ذبحه بمنى عند المنحر وقال هشيم عن سيار عن عكرمة عن ابن عباس Bهما كان أفتى الذي جعل عليه نذرا أن ينحر نفسه فأمره بمائة من الإبل ثم قال بعد ذلك لو كنت أفتيه بكبش لأجزأه أن يذبح كبشا فإن الله تعالى قال في كتابه : { وفديناه بذبح عظيم } والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه فدي بكبش وقال الثوري عن رجل عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى : { وفديناه بذبح عظيم } قال وعل وقال محمد بن إسحاق عن عمرو بن عبيد عن الحسن أنه كان يقول ما فدي إسماعيل عليه السلام إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير وقد قال الإمام أحمد حدثنا سفيان حدثني منصور عن خاله مسافع عن صفية بنت شيبة قالت : أخبرتني امرأة من بني سليم ولدت عامة أهل دارنا أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى عثمان بن طلحة Bه وقالت مرة أنها سألت عثمان لم دعاك النبي صلى الله عليه وسلّم ؟ قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم : [ إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت البيت فنسيت أن آمرك أن تخمرهما فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي ] قال سفيان لم يزل قرنا الكبش معلقين في البيت حتى احترق البيت فاحترقا وهذا دليل مستقل على أنه إسماعيل E فإن قريشا توارثوا قرني الكبش الذي فدى به إبراهيم خلفا عن سلف وجيلا بعد جيل إلى أن بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلّم والله أعلم .
( فصل ) في ذكر الاثار الورادة عن السلف في أن الذبيح من هو .
( ذكر من قال هو إسحاق E ) قال حمزة الزيات عن أبي ميسرة C قال : قال يوسف E للملك في وجهه ترغب أن تأكل معي وأنا والله يوسف بن يعقوب نبي الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله وقال الثوري عن أبي سنان عن ابن أبي الهذيل أن يوسف عليه السلام قال للملك كذلك أيضا وقال سفيان الثوري عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه قال : قال موسى E يا رب يقولون بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب فبم قالوا ذلك ؟ قال : [ إن إبراهيم لم يعدل بي شيء قط إلا اختارني عليه وإن إسحاق جاد لي بالذبح وهو بغير ذلك أجود وإن يعقوب كلما زدته بلاء زادني حسن ظن ] وقال شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص قال افتخر رجل عند ابن مسعود Bه فقال : أنا فلان بن فلان بن الأشياخ الكرام فقال عبد الله بن مسعود Bه ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله وهذا صحيح عن ابن مسعود Bه وكذا روى عكرمة عن ابن عباس Bهما أنه إسحاق وعن أبيه العباس وعن علي بن أبي طالب مثل ذلك وكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وعبيد بن عمير وأبو ميسرة وزيد بن أسلم وعبد الله بن شقيق والزهري والقاسم بن أبي برزة ومكحول وعثمان بن حاضر والسدي والحسن وقتادة وأبو الهذيل وابن سابط وهذا اختيار ابن جرير وتقدم روايته عن كعب الأحبار أنه إسحاق وهكذا روى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن أبي سفيان ابن العلاء بن حارثة عن أبي هريرة Bه عن كعب الأحبار أنه قال هو إسحاق وهذه الأقوال والله أعلم كلها مأخوذة عن كعب الأحبار فإنه لما أسلم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر Bه عن كتبه قديما فربما استمع له عمر Bه فترخص الناس في استماع ما عنده ونقلوا ما عنده عنه غثها وسمينها وليس لهذه الأمة والله أعلم حاجة إلى حرف واحد مما عنده وقد حكى البغوي القول بأنه إسحاق عن عمر وعلي وابن مسعود والعباس Bهم ومن التابعين عن كعب الأحبار وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهري والسدي قال وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس Bهما وقد ورد في ذلك حديث لو ثبت لقلنا به على الرأس و العين ولكن لم يصح سنده قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا زيد بن حباب عن الحسن بن دينار عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب Bه عن النبي صلى الله عليه وسلّم في حديث ذكره قال هو إسحاق ففي إسناده ضعيفان وهما الحسن بن دينار البصري متروك وعلي بن زيد بن جدعان منكر الحديث وقد رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن مسلم بن إبراهيم عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان به مرفوعا ثم قال قد رواه مبارك بن فضالة عن الحسن عن الأحنف عن العباس Bه وهذا أشبه وأصح والله أعلم .
( ذكر الاثار الواردة بأنه إسماعيل E وهو الصحيح المقطوع به ) قد تقدمت الرواية عن ابن عباس Bهما أنه إسحاق E والله تعالى أعلم وقال سعيد بن جبير وعامر الشعبي ويوسف بن مهران ومجاهد وعطاء وغير واحد عن ابن عباس Bهما هو إسماعيل E وقال ابن جرير حدثني يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن قيس عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنه قال المفدى إسماعيل عليه السلام وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود وقال إسرائيل عن ثور عن مجاهد عن ابن عمر Bهما قال الذبيح إسماعيل وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد هو إسماعيل عليه السلام وكذا قال يوسف بن مهران وقال الشعبي هو إسماعيل E وقد رأيت قرني الكبش في الكعبة وقال محمد بن إسحاق عن الحسن بن دينار وعمرو بن عبيد عن الحسن البصري أنه كان لايشك في ذلك أن الذي أمر بذبحه من ابني إبراهيم إسماعيل عليه السلام قال ابن إسحاق وسمعت محمد بن كعب القرظي وهو يقول إن الذي أمر الله تعالى إبراهيم بذبحه من ابنيه إسماعيل وإنا لنجد ذلك في كتاب الله تعالى وذلك أن الله تعالى حين فرغ من قصة المذبوح من ابني إبراهيم قال الله تعالى : { وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين } ويقول الله تعالى : { فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب } يقول بابن وابن ابن فلم يكن ليأمره بذبح إسحاق وله فيه الموعد بما وعده وما الذي أمر بذبحه إلا إسماعيل قال ابن إسحاق سمعته يقول ذلك كثيرا وقال ابن إسحاق عن بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي أنه حدثهم أنه ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز Bه وهو خليفة إذ كان معه بالشام فقال له عمر إن هذا لشيء ما كنت أنظر فيه وإني لأراه كما قلت ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام كان يهوديا فأسلم وحسن إسلامه وكان يرى أنه من علمائهم فسأله عمر بن عبد العزيز Bه عن ذلك قال محمد بن كعب وأنا عند عمر بن عبد العزيز فقال له عمر أي ابني إبراهيم أمر بذبحه فقال إسماعيل والله يا أمير المؤمنين وإن يهود لتعلم بذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه والفضل الذي ذكر الله تعالى منه لصبره لما أمر به فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق لكون إسحاق أباهم والله أعلم أيهما كان وكل قد كان طاهرا طيبا مطيعا لله D وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل C سألت أبي عن الذبيح هل هو إسماعيل أو إسحاق فقال إسماعيل ذكره في كتاب الزهد وقال ابن أبي حاتم وسمعت أبي يقول الصحيح أن الذبيح إسماعيل E قال وروي عن علي وابن عمر وأبي هريرة وأبي الطفيل وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد والشعبي ومحمد بن كعب القرظي وأبي جعفر محمد بن علي وأبي صالح Bهم أنهم قالوا الذبيح إسماعيل وقال البغوي في تفسيره وإليه ذهب عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب والسدي والحسن البصري ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي وهو رواية عن ابن عباس وحكاه أيضا عن أبي عمرو بن العلاء وقد روى ابن جرير في ذلك حديثا غريبا فقال حدثني محمد بن عمار الرازي حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة حدثنا عمر بن عبد الرحيم الخطابي عن عبيد الله بن محمد العتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان عن أبيه حدثني عبد الله بن سعيد عن الصنابحي قال كنا عند معاوية بن أبي سفيان فذكروا الذبيح إسماعيل أو إسحاق فقال على الخبير سقطتم : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فجاءه رجل فقال : يارسول الله عد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقيل له يا أمير المؤمنين وما الذبيحان ؟ فقال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله له أمرها عليه ليذبحن أحد ولده قال فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا افد ابنك بمائة من الإبل ففداه بمائة من الإبل والثاني إسماعيل وهذا حديث غريب جدا وقد رواه الأموي في مغازيه حدثنا بعض أصحابنا أخبرنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة حدثنا عمرو بن عبد الرحمن القرشي حدثنا عبيد الله بن محمد العتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان حدثنا عبد الله بن سعيد حدثنا الصنابحي قال حضرنا مجلس معاوية Bه فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق وذكره كذا كتبته من نسخة مغلوطة وإنما عول ابن جرير في اختياره أن الذبيح إسحاق على قوله تعالى : { فبشرناه بغلام حليم } فجعل هذه البشارة هي البشارة بإسحاق في قوله تعالى : { وبشروه بغلام عليم } وأجاب عن البشارة بيعقوب بأنه قد كان بلغ معه السعي أي العمل ومن الممكن أنه قد كان ولد له أولاد مع يعقوب أيضا قال وأما القرنان اللذان كانا معلقين بالكعبة فمن الجائز أنهما نقلا من بلاد الشام قال وقد تقدم أن من الناس من ذهب إلى أنه ذبح إسحاق هناك هذا ما اعتمد عليه في تفسيره وليس ما ذهب إليه بمذهب ولا لازم بل هو بعيد جدا والذي استدل به محمد بن كعب القرظي على أنه إسماعيل أثبت وأصح وأقوى والله أعلم وقوله تعالى : { وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين } لما تقدمت البشارة بالذبيح وهو إسماعيل عطف بذكر البشارة بأخيه إسحاق وقد ذكرت في سورتي هود والحجر وقوله تعالى : { نبيا } حال مقدرة أي سيصير منه نبي صالح وقال ابن جرير حدثني يعقوب حدثنا ابن علية عن داود عن عكرمة قال : قال ابن عباس Bهما الذبيح إسحاق قال وقوله تعالى : { وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين } قال بشر بنبوته قال وقوله تعالى : { ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا } قال كان هارون أكبر من موسى ولكن أراد وهب له نبوته وحدثنا ابن عبد الأعلى حدثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت داود يحدث عن عكرمة عن ابن عباس Bهما في هذه الاية { وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين } قال إنما بشر به نبيا حين فداه الله D من الذبح ولم تكن البشارة بالنبوة عند مولده وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان الثوري عن داود عن عكرمة عن ابن عباس { وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين } قال بشر به حين ولد وحين نبىء وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى : { وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين } قال بعد ما كان من أمره لما جاد لله تعالى بنفسه وقال الله D { وباركنا عليه وعلى إسحاق } وقوله تعالى : { وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين } كقوله تعالى : { قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم }